الأصول (?):
اعلموا - رحمكم الله- أنّه ما أطنبَ مالك في مسألةٍ كإطنابه في هذه المسألة، فلقد سلَكَ فيها طريقَ الجِدَالِ، وكَثَّر الأسئلَةَ والأجوبةَ، وأفاضَ في ضرب الأمثالِ، والتّفريقِ بين مِثَالٍ ومِثَالٍ، وتحقيقِ الفرقِ بين الأصلِ والتّوابعِ. وظهَرَ له في ذلك عِلمٌ عظيمٌ من الأصول والأحكام، بما يتفقّه به جميع الطَّوائف.
وأمّا متعلَّقُ الخَصم في إسقاطِ الشّاهِدِ واليمينِ، فظاهر البدَايةِ، قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية (?)، وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "شَاهِدَاكَ أَو يَمِينُهُ" (?) وهذا لا غُبَارَ عليه قرآنأوخَبَرًا، ونحنُ لا نُنكِرُ هذا ولكنّا نَدَّعِي زيادةً، فإنا نقول: في ذلك ثلاثُ طُرُقٍ (?):
الطريقة الأوُلى- وهي أقواها -: إجماعُ أهل المدينة على نقل ذلك
ثَبتَ عنِ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعن الخُلَفَاء بعدَهُ. وهو ما لا حُجَّة لهم عليه؛ لأنّه مهما اختلفَ النّاسُ في إجماعِ أهلِ المدينةِ من طريقِ النَّظَرِ، فليس يَقدِرُ أحدٌ على اعتراضِ ما يجتمعونَ على نقله من طريقِ الأَثَر، وهذا قويٌّ جدًّا في النَّظَرِ (?).
الطريقة الثّانية: في سَردِ الأحاديث الواردة في ذلك
وقد وردَ في ذلك أحاديثُ كثيرةٌ في المصنَّفَاتِ والمُسنَدَاتِ، وجَمَعَ في ذلك