الرّابع: قولُ مالكٍ: إنّه مخصوصٌ بما وَرَدَ في الحديثِ دونَ إلحاقٍ ولا تعليلٍ، وقالَ عليه السّلام: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتّى يَسْتَوْفِيَهُ" (?) فلذلك جوَّزَ بيعَهُ في الهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِه.
وأمّا الشُّبهَةُ، فإنّه في أَلْسِنَةِ الفقهاءِ عبارةٌ عن كلّ فعلِ أَشْبَهَ الحرامَ (?) فلم يكن
* منه، ولا بَعُدَ عنه، ويُسمِّيها علماؤنا الذّرائعَ، ومعناه: كلُّ فعلٍ يمكنُ أنَّ يُتَذَرَّعَ به
أي* يُتَوْصَّلَ به إلى ما لا يجوزُ، وهي مسألةٌ انْفَرَدَ بها مالكٌ دونَ سائرِ العلماء, وقد مهَّدْنَا القولَ عليها في "مسائل الخلاف" قرآنَا وسُنَّةَ، وإجماعًا من الأُمَّةِ، ولو لم يكن في ذلك إلّا الاتِّعاظُ ببني إسرائيلَ فإنّه حرَّم عليهم الصَّيْدَ في يومِ السَّبتِ، فكان الحُوتُ يجرِي في النَّهرِ أكثرَ من الماءِ وأُبِيحَ في سائرِ الأيّامِ، فكانوا لا يَجِدُون حُوتًا فيه، فتذرَّعُوا إلى صيدِ الحُوتِ في الأيامِ المباحةِ بأن سَدُّوا منَافِسَ الحُوتِ ومنافذَهُ عندَ رجوعِهِ، فلمَّا أرادَ أنّ يرجِعَ ضُرِبَتْ في وُجُوهِهِ الأسدادُ، فأصبح الماءُ كله حُوتًا، وأصبحوا هم قِرَدَة خاسئين.
وأجمعتِ الأُمَّةُ أنَّه لا تجوزُ شهادةُ الأَبِ لابنه وإن كان عَدْلًا (?).
وأمّا المقاصدُ والمصالحُ، فهي أيضًا مِمَّا انفردَ بها مالك (?) - رضي الله عنه - دونَ سائرِ العلماء" ولابُدَّ منها, لِمَا يعودُ من الضَّرَرِ في مُخَالفَتِها، ويدخلُ من الجَهَالَةِ في العُدُولِ عنها، وقد رأيتم في ذلك تمهيداتٍ وقواعدَ، يطلقُ البيانُ عليها إنَّ شاء الله.
وإذا انتهَى الكلامُ إلى هذا المقام، فلابُدَّ من تأسيسٍ قواعدَ عَشْرِ ينبني عليها معنَى الكتاب، ويرجِعُ إليه النّاظرُ في أثناءِ الأبوابِ.