وإن اختلفوا في تفاصيل ما يَتَرَتَّبُ عليه، ومن جملةِ اختلافِهِمْ في قوله: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} (?) فهل المراد الزّوجان أم الحَكَمَانِ؟ فأدخل مالك (?) قول على - رضي اللهُ - عنه أنَّ المرادَ به الحَكَمَانِ، وهو الصّحيحُ؛ لأنّ الكلامَ مُرْتَبِطٌ بهِمَا، مَعْطُوفٌ عليهما، مُجَاوِرٌ لَهُمَا، فهو بهما أَلْيَقُ، وَرُجُوعُهُ عليهما أَحَقُّ، وقد بيَّنَّا ذلك في "كتاب الأحكام" (?) وبسطناهُ كما يجبُ، وعجبًا لأهلِ بلادنا حيث غَفَلُوا عن مُوجِبِ الكتابِ والسُّنَّةِ في ذلك، وقالوا: يُجعَلان على يَدَي أمينٍ، وفي هذا من مُعَانَدَةِ النَّصِّ مالًا يَخْفَى عليكم، فإمَّا إذا وقعَ الشِّقَاقُ بينهُمَا لأَجْلِ المَسِيسِ فاتَّفَقَا على أنَّه لايَمَسُّها، فإنَّ العلّماءَ اتَّفقوا على أنَّه يُضْرَبُ له أجلُ سَنَةٍ من يومِ تَرَافُعِهِ، قال علماؤنا: يُخْتَبَرُ بها حالُهُ في الأَزْمِنَةِ الأربعة المتغايرةِ في السَّنَة، هل يستطيعُ فيها مَسِيسًا أم لا؟ فإن تبيَّنَ عَجْزُهُ فيها حِيلَ بينَهُ وبينَها، على ما يأتي بيانُه في موضعه إنَّ شاء الله.
الفقه في أربع مسائل:
المسألةُ الأُولى:
(?) الأصلُ في هذا الباب قولُه تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الآية (?)، ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ المُخَاطَبَ بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} الحُكّام، والمراد بقوله: {إِنْ يُرِيدَا} أنّهما الحَكَمَانِ، ومن صِفَاتِهِمَا الّتي هي شرطٌ في صِحَّةِ كونهما حَكَمَيْنِ: الإسلام، والبلوغ، والحرية، والذّكُورية، فإن عُدِمَ شيءٌ من ذلك، لم يجُزْ تحكيمهما برضَا الزَّوجينِ ولا ببعثة السْلطان، قاله مالك (?)، وكذلك العدالةُ، ولهُمَا صفاتٌ أُخَر