فقال الشّافعيُّ: الصَّريحُ ما وردَ في القرآنِ، والكنايةُ ما عَدَاهُ (?).

واختلفَ أشياخُنا في ذلك: فقال القاضي أبو محمّد عبد الوهّاب (?): الصّريحُ لفظُ الطّلاق وحدَهُ.

وقال القاضي أبو الحسن (?): الصَّريحُ لفظُ الطّلاقِ والفِرَاقِ، والحَرَامِ، والخَلِيَّة، والبَريَّة.

وتحقيقُ القولِ في ذلك يرجِعُ إلى فصلّين:

أحدُهُما: يرجِعُ إلى تحقيقِ لفظِ الصَّريحِ، وهو الخالصُ في الدَّلالةِ على الشَّيء الّذي لا يحتملُ سوَاهُ، مأخوذٌ من اللَّبنِ الصّريحِ الّذي لم يَشُبْهُ شيءٌ، بناءً على ما بيّنّاهُ في "أصول الفقه" من أنّ المعقولَ في الأَلفاظِ تَبعٌ للمحسوس.

والثّاني: أنّه إنّما يُفتَقَرُ إلى الفرقِ بينَ الصَّريحِ والكنايةِ بحرفٍ واحدٍ، وهو أنَّ الصريحَ ما لا يُنَوَّى فيه الحالف، والكناية ما يُنوِّى.

فإذا ثبت هذا وتحقَّقتُمُوهُ، فقول القاضي أبي محمّد: هو صريحُ مذهب مَالك؛ لأنّ مالكًا يُنَوَّي في الخَليَّةِ والبَرِيَّةِ، وحبلُكِ على غَارِبكِ، وهي من الصَّريحِ في عُرْفِ الطَّلاق، فدل على أنّ الصّريحَ عندَهُ لفظُ الطَّلاقِ خاصَّةً الّذي ليس فيه احتمالٌ، والَّذي وقعَ شرعًا وعُرْفًا عليه، ألَّا ترى إلى قولِ عمرَ بن الخطّاب - رضي الله عنه - للرَّجُل الذِي قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ: مَا أَرَدت به؟ قال: أرَدتُ الفِرَاقَ، فنَوَّاه فِيهَا (?).

وقد قال مالك: لو علِمتُ أنَّ عمر قال ذلك لقُلتُ به (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015