ووجهُ التَّعلّقِ بذلك: أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حرَّمَ جنسَ الخمرِ والشَّراب المُسْكرِ، وتحريمُ الجنس يشتملُ على قليلِ النَّوعِ وكثيرِهِ، وغايتُهُم فيه أنّ يردُّوا التَّحريمَ إلى القَدرِ المُسْكرِ، لا إلى الجنسِ المُسكِر.
ويترجّح غرضُنا على غرضِهِم بأن يبرز في معرضين، ونُصوِّر الموضوعين بصورة المُجمَل، أو المبتدأ بصورة الخبر، فإن ظهر فيه القَدْر الّذي يعرضون إليه فهو مرامهم، وإن ظهر فيه الجِنْس الّذي يعرض إليه فهو ما قلناه.
وصورَتُه أنّ نقول: كلّ شَرَاب أَسكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، والنَّبيذُ مُسكِرٌ، فالمبيح إذا تولّد فهو حرام، فصار المجمول الموضوع في القضيّة الأُولى المبتدأ محمولًا في القضيَّةِ الثَّانية، ودارَ الأمرُ على الجنس، ولم يظهر القَدر هناك، فلا معنى لترك تعليق الحكم على قضيَّةٍ ظاهرةٍ وتعليقها على معنًى خفِىٌّ لا يسُوغ بحالٍ وهو المقدار.
3 - المبدأُ الثّالثُ: التّعلُّق بالقياس على الخّمْرِ
فإنّ الله حرّمها، والعلَّةُ في تحريمِهَا الشدَّة المُطرِبَةُ الّتي فيها، فنقول: شراب يدعو قليلُه إلى كثيرِهِ فكان محرَّمًا، أصلُه الخمرُ، وغايتُكُم أنّ تقولوا: لا نعلمُ أنَّ تحريمَ الخمرِ معلَّلٌ، بل هو حكمٌ مشروعٌ مبتدأ لا علَّةَ له، فيدلُّ على ذلك الكتاب والإجماع وشهادةُ الأصول.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} الآية (?)، ولا يخفَى على ذي تحصيلٍ أنّ هذه إشارةٌ إلى زوالِ العقلِ بالشِّدَّةٍ المُطْربَةِ الّتي بها قِوَامُ الخّمْرِ.
قالت الصّحابة بأجمعها: "إذا شَرب هذى، واِذَا هذَى افتَرَى، فاجلدُوهُ حَدَّ الفِرْيَةِ" (?) وأمّا إذا عاد حلالًا، فأثبت الحكمُ الّذي هو التَّحريمُ بثبوت الشِّدَّةٍ المُطْربَةِ ويُعدم بِعَدَمِها.