وقد اختلفَ الفقهاءُ في وجوبِ الحدِّ بالرَّائحةِ:

فذهبَ مالكٌ وأصحابُهُ إلى أنَّ الحدَّ يجب على من وُجِدَ منه ريحُ المُسْكِر.

ومنَعَ من ذلك أبو حنيفة (?) والشّافعيّ (?) وقالا: لا حدَّ عليه.

ودليلُنا: ما روِيَ عن السَّائب بنِ يزيدَ؛ أَنَّه حضرَ رَجُلًا يُجْلَدُ وُجِدَ منه ريحُ الخمرِ، فجُلِدَ الحّد ثمانينَ (?)، ولم ينقل خلاف عليه، ولا ذَكَرَهُ أحدٌ، فثبتَ أنّه إجماعٌ.

ومن جهة المعنى: أنّ هذا معنًى تُعلَمُ به صفاتُ ما شَرِبَهُ، فوجبَ أنّ يكون طريقًا إلى إثباتِ الحدِّ، أصلُه: الرُّؤْيةُ لما شربه، بل الرّائحةُ أقوى في معرفةِ حالِ المشروبِ؛ لأنّ الرُّؤيةَ لا يعلم بها أَمُسكِرٌ هو أم لا، وإنّما يُعلمُ ذلك بالرّائحةِ.

فهذا ثبت ذلك ففي هذا ثلاثة فصولٍ:

الفصلُ الأوَّلُ: في بيان من يجب استكاهُهُ ممّن لا يجب.

الفصلُ الثّاني: فيمن يثبت بشهادته ذلك.

الفصلُ الثالثُ: فيما يجب إذا تيقَّنَت رائحة المسكر أو أُشكِلَت.

فأمّا الفصل الأوّل (?) فيمن يجب استنكاهه

فإن ذلك بأن يَرَى الحاكمُ فيه تخليطًا في قولٍ أو مشيٍ، ففي "الموازية" من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015