ذكرنا، وقاله ابنُ حبيب، وأمّا في الحواضر فلا يجوز له، والسَّفرُ في ذلك لا يخلو أنّ يكون سَفَرًا مُباحًا أو مكروهًا أو محظورًا.

فأمّا "المباحُ" فهو الّذي يجوزُ لنا أنّ نُرَخِّصَ في أكل المَيتَة.

وأمّا "المُحَرِّم" فالمشهورُ من مذهبِ مالك أنّه لا يجوزُ له ذلك، ففرَّق بينه وبين القَصْرِ في سَفَرِ المعصيةِ.

وروَى زياد بن عبد الرّحمان أنّ العاصي في سَفَرِه يقصرُ الصَّلاة ويفطر في رمضان، فسوَّى بين ذلك كلِّه، وبه قال أبو حنيفة (?).

وقال ابن حبيب: لا يحل له أكل المَيتَة إِلَّا من ضرورةٍ، وبه قال الشّافعيّ (?). ووجه الأوّل: قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} الآية (?)، ولأنّه لا خلافَ أنَّه لا يجوز له قتل نفسه بالإمساك عن الأكل، فإنّه مأمورٌ بالأكلِ على وجهِ الوجوب، ومن كان في سفر معصيةٍ لا تسقط عنه الفروض والواجبات من الصّوم والصّلاة؟ لأنّهَ يلزمُه الإِتيان بها كلما ذكرنا.

ووجهُ القولي الثّاني: أنْ هذه المعاني على وجه التّخفيف والعون على الأسفارِ المباحةِ للحاجةِ إليها، فلا يُباحُ له أنّ يستعينَ بها على المعاصي، وله سبيلٌ إلى أنّ لا يقتلَ نفسَهُ، قال ابن حبيب: وذلك بأن يتوب ثمّ يتناول المَيْتَة، وقد تعلَّق ابنُ حبيبٍ في ذلك بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} (?) فاشترطَ ألَّا يكون باغيًا، والمَسافرُ على وجه الحرابة، أو قطع رحم، أو طالب إثم باغٍ ومتعدٍّ، فلم يوجد فيه شرط الإباحة.

المسألة التّاسعةُ (?):

فإذا ثبت ما بيَّنَّاه، فمنِ اضطرَّ إلى شرب الخمرِ لجوعٍ أو عطشٍ حيثُ يجوز له أكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015