وبينَ المَيتَةِ.
ووجه ذلك: أنّ هذا مالٌ لغيره، فهو ممنوعٌ منه لِحَقِّ الله وَلِحَقِّ مَالِكِهِ، فليس له منه إِلَّا ما يردُّ جُوعَهُ ولا يزيد على ذلك شيئًا.
وأمّا المَيْتَة، فأنّها ممنوعةٌ لحقِّ الله تعالى، وحقوقُه تعالى إِذا استُبِيحَت للضَّرورةِ تجاوزت الرُّخصةُ فيها موضعَ الضَّرورة، وحقوقُ الآدميِّينَ لا تتجاوز مواضع الضَّرورة، وهذا الفرق إنّما هو على رواية "الموطَّأ" (?)، وأمّا على رواية ابنِ حبيب - وهي الرِّواية الثّانية عن مالك - فلا فرق بينهما.
المسألة الخامسةُ (?):
قوله (?): "وذَلِكَ أَحَب إِلي من أنّ يَأكُل المَيتَةَ يريد: ما أكله من الثَّمر والزَّرع مباحُ العين أيضًا، وإنّما مُنِعَ لحقِّ الغيرِ، وإذا بلغتِ الضَّرورةُ إلى استباحةِ المَيتَةِ، فقد لَزِمَ صاحب الثَّمَر والزَّرع أنّ يعطيَهُ منه ما يردُّ رَمَقَه إنَّ لم يكن عنده ثَمَنٌ، أو يبيعه منه إنَّ كان عنده ثَمَنٌ، فهذا أخذ بِقَدْرِ ذلك فقد تعلَّق به حقّه، وكان مباحًا له من الوجهين: من جهةٍ أنّه مباحٌ في نفسِهِ، ومن جهةِ أنّه قد لزم صاحبه تسليمه إليه.
وأمّا المَيتة، فليست بمباحةٍ في نفسها، فكان أكل هذا الطّعام الّذي هو مباحٌ في نفسه أَوْلَى. وإنّما خصّ مالكٌ الزَّرعَ والثَّمَرَ والماشيةَ دون سائرِ الأموالِ؛ لأنّ هذه الّتي ينتفعُ المضطرُّ بوجودِهَا، وفي ذلك آثارٌ خَرَّج التّرمذيُّ في "كتابه" (?) منها أحاديث في باب الرُّخصة في أكل الثِّمارِ للمارّ بها من حديثِ ابنِ عُمَرَ؛ أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ