استطلاع في النّظر (?):
ثمّ اختلفَ العلّماءُ بعدَ ذلك في مسألتينِ (?):
إحداهما: هل يأكلُ من المَيْتَة حتّى يشبعَ؟ أم يأخذُ بقَدْرِ سَدِّ الرَّمَقِ؟ فعن مالك في ذلك روايتان: فأمّا الّتي في "الموطَّأ" (?) فالأكلُ والشِّبَعُ والزَّادُ، وهو كتابُهُ وصفوةُ مذهبِه ولُبابُه، وكذلك ينبغي أنّ يكون؛ لأنّ الضّرورةَ قَدْ رَفَعتِ التَّحريمَ وأثبتتِ الإباحة، وصيّرت المَيتَةَ في حَقِّهِ كالمُذَكّاةِ.
وأمّا المسألة الثّانية: فهو مالُ الغيرِ، هل يقدِّمه على المَيْتَة في الضَّرورة؟ أم يقدِّمُ المَيتَة عليه؟ ولا خلاف بين الأُمَّة أنّه إذا أَمِنَ العُقوبةَ أنّه يأكلُ من مال الغير؛ لأنّ مالَ الغبير يَقْبَلُ الإِباحةَ بإذنٍ، والمَيْتَةَ لا تَقْبَلُ الإباحةَ بحالٍ.
مسألة ثالثةٌ في مذهبِ المخالف ليست في مذهبنا: وهو أكلُ لحمِ الآدَمِيِّ عند الضَّرورةِ إذا وجدَهُ ميتًا (?)، فقالوا: لا يؤكَلُ؛ لأنّ حرمتَهُ ميتًا كحرمتِهِ حيًّا.
ومنهم من قال: إنّه يأكَلُ.
والأوّل أظهر وأصحّ.
إيضاح مُشكِلٍ (?):
رُوِيَ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - نزلَ بأسفلِ بَلْدَحَ (?)، فَجَالَسَهُ زَيْدُ بن عَمرو بن نُفَيْلٍ، فَقَدَّمَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - (?) سُفرَة فِيهَا لَحْمٌ، فقال زيدٌ: إنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَهُ عَلَى