وقال بعضُهُم: إنَّ العمومَ يُخَصُّ بالعادةِ، ولم تكن عادَتُهُم اقتناءُ الخنازيرِ حتّى تموت فيَدبَغُوا جلودَها، فخصّ بالعادةِ وخرجَ عن حكمِ الانتفاعِ، وكثيرٌ من العلّماءِ على هذا أنّه لا يُنْتَفَعُ بشيءٍ من الخنزيرِ.
وقال بعضُهم: ولا أيضًا الكلبُ، لم يكن من عادَتِهِم استعمال جلده، فخرج عن العمومِ.
وقال بعضُهُم: لا يُخَص هذا العمومُ بقوله: "دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ" (?) فحملَ الذَّكاةَ مَحْمَلَ الدّباغ، فَوَجَبَ أَلَّا يُؤثِّرَ الدِّباغ إِلَّا فيما تُؤَثِّر فيه الذَّكاة، والذَّكاةُ إنّما تُؤثِّرُ عند هؤلاءِ فيما يُستَبَاحُ لَحْمُهُ؛ لأنّ قَصْدَ الشَّرعِ بها استباحة اللَّحم، فهذا لم يبح اللَّحم لم تبح الذّكاة، وإذا لم تعمَل الذّكاة لم يصحّ الدّباغ البتّة.
وقد أشار بعض من انتصر لمالك إلى سلوك هذه الطّريقة، فرأى أنّ التّحريم تأكَّدَ في الخنزير، فاختصَّ بنصِّ القرآن عليه، فلهذا لم تعمل الذَّكاة فيه، فلمّا تَقَاصَرَ عنه في التّحريمِ عَمَّا سواهُ، لم يلحق به في تأثير الدِّباغ.
وقد سلك أيضًا هذه الطَّريقة أصحاب الشّافعيّ (?)، ورأوا أنّ الكلب خُصَّ في الشَّرعِ بتغليظ، ولم يرد فبما سِوَاهُ من الحيوان، فَأُلحِقَ بالخنزيرِ.
فأمّا الّذي ذكرنا من مخالفتهم في المعنَى، ويرون الدِّباغ أُنزِلَ من الشَّرعِ بمنزلةِ الحياة، لَمَّا كان يحفظ الجلد من التّغيير والاستحالةِ كما تُحفظ الحياة.
وتعلَّقَ ابنُ شِهابٍ بحديثِ لم يشترط فيه الدباغُ (?)، وقد رواهُ مُقَيَّدًا، ولعلّه نَسِيَ ما رواه.
وأَلحقَ الأوزاعيُّ وأبو ثَوْر بهذا الّذي اسْتُثْنِيَ جلدَ من يُؤكَل لَحْمُهُ.