الدّليل، وسواء كان مُتَوَحِّشَا على أصله أو تَأَنَّس ثمّ تَوَحَّشَ، والوجه فيه ما قدَّمْنَاه. والدّليلُ على ذلك: أنّ هذا متوحِّشُ الجنس مُمتنع، فجاز أنّ يُذكَّى بالرَّمي والضّرب كائذي لم يتأنّس قطّ.
أمّا الثّانية: وهي الامتناع من الذّكاة المعهودة فيه، فهي العلّة في إباحة ما ذكرنا في الصَّيد، ولو تمكّن منه بإِثخَانِ الجراح، أو بِحِبَالَةٍ أو غيرها لم تَجُز ذكاتُه إِلَّا بِما يُذكَّى به الإِنسِيّ؛ لأنّ علَّةَ الامتناع قد عُدِمَت، وهاتان الصِّفتان مؤثِّرتانِ في العملِ لا في النِّيَّة؛ لَأنّ العملَ يتعذّر بها دون النِّيَّة.
المسألة الرّابعة (?): في منتهى فعل الرّمية
ولا تخلو أنّ تنفذ المقاتل أو لا تنفذها، فإن أنفذت المقاتل فقد كملت فيها الذّكاة، وهو على ضربين:
أحدهما: أنّ يبين بها من الحيوان جزءًا.
والثّاني: ألَّا يبين بها شيئًا.
فإن أبان ذلك فقطعه بنصفين، فإنّه يُؤكل جميعُه، زَاذَ النِّصف الّذي مع الرّأس أو نقص، وبه قال الشّافعيّ (?).
وقال أبو حنيفة (?): إنَّ قطع الثّلث ممَّا يلي الرّأس، أُكِلَا جميعًا، وإن قطع الثّلث ممّا يلي الفخذ، أكل الثّلثان اللذان يليان الرّأس ولم يُؤكل الثّلث الباقي.
قال ابنُ القصّار (?): وهذا ينبغي أنّ يُفصَّل، فإذا قطع الرّأس أكل الجميع؛ لأنّه مقتول لا مَحَالَةَ، فإن كان الْذي قطع منه سوَى الرّأس يتوهّم أنّه يعيش بعده، فإنّ الَّذي بان منه لا يُؤْكَل وُيؤكل بَاقِيهِ (?). وهذا وفاق لأبي حنيفة، سواء مات من العقر الأوّل أو غيره.