وأمّا الاستطاعة، فالذي عَوَّلَ عليه فقهاء الأمصار، منهم الشّافعيّ وأبو حنيفة وعبد العزيز بن أبي مسلمة؛ أنّه الزّاد والراحلة، ورُوِيَ في ذلك حديث عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يصحّ سَنَدُه.

وهذا أيضًا يبعدُ معنًى، فإنّه لو قال الاستطاعة الزّاد، لكان أَوْلَى في التَّفْسِيرِ؛ فإنَّ السبيل في اللُّغة الطّريق، والاستطاعة ما يكسب سلوكها، وهي صحّة البَدَن ووجود القُوت.

وقد سأل ابنُ القاسم وأشهب مالكًا عن هذه الآية، فقال: النَّاسُ في ذلك على قَدْرِ طاقتهم وجَلَدِهِم. فقال أشهب له: هذا الزّاد والرّاحلة. فقال: لا واللهِ وما زادك إِلَّا على قَدْرِ طاقة النّاس؛ لأنّه قد يجد الرَّجُل الزّاد والرّاحلة ولا يَقْدِر على المَشْيِ، وآخر يَقْدِرُ أنّ يَمشِي على رجليه، وهذا بالغٌ في البيان.

فهذا وُجِدَت الاستطاعة، فلا خلافَ في وجوب فَرضِ الحَجّ، إِلَّا أنّ تعرض آفة، والآفات أنواع، منها الغريم يمنعه عن الخروج حتّى يُؤَدِّي الدَّيْن، ولا خلاف فيه.

ومن كان له أَبَوَانِ، ومن كان له من النِّساء زَوْجٌ. فاختلف العلّماء في ذلك، وكذلك اختلف قول مالكٌ. والصحيح في الزَّوْجَة أنّه يمنعها، لا سيّما إذا قلنا: إنّ الحجّ لا يلزم على الفور. وإن قلنا: إنّه يلزم على الفَوْرِ، فحق الزوج مُقَدَّمٌ.

وأمّا الأَبوَانِ، فإنْ كان منعه لأجل التّشوق والوحشة، فلا يُلْتَفَتُ إليه، وإن كان خوف الضّيعة وعدم العوض في التَّلَطُّف، فلا سبيل له إلى الحَجِّ.

وإذا كان مريضًا أو مَعْضُوبًا (?)، لم يتوجّه عليه المسير (?) إلى الحجّ.

بل أجمعت الأُمَّةُ أنّ الحجَّ إنّما فَرَضَهُ اللهُ على عباده على الاستطاعة إجماعًا، والمريض والمَعْضوب لا استطاعة لهما (?).

وإذا لم يكن للمكلَّفِ قُوتٌ يتزوَّد به في الطريق، لم يلزم الحجّ إجماعًا، وسأحَقِّق ذلك تحقيقًا شَافِيًا في موضعه إنّ شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015