وأمّا الآيات في الحَجِّ، فالآية الأُولى قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (?).
قال علماؤنا: هذا من آكَدِ ألفاظِ الوُجُوبِ عند العرب، وكان الحجُّ عند العرب معلومًا مشروعًا لديهم، فخُوطبوا بما عَلِمُوا، وألزموا ما عرفوا. وقد حجّ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - معهم قبل فَرْصِ الحَجِّ، وَوَقَفَ بعرفة، ولم يُغَيِّر شيئًا من شَرْعِ إبراهيم، حتّى كانت قريش تقف بالمزدلفة، ويقولون: "نحن أهل الحَرَم فلا نخرج منهُ" وهذا يدلُّ على أنَّ رُكْنَ الحجِّ القصد إلى البيت.
وللحج ركنان: الطواف بالبيت، والوقوف بعرفة، لا خلاف في ذلك، وكلّ ما وراءه فنازل عنه، مختلف فيه.
فإن قيل: وأين الإحرام وهو مُتَّفقٌ عليه؟
قلنا: الإحرامُ هو النِّيَّةُ الّتي تلزم كلّ عبادة، وتتعيَّن في كلِّ طاعةٍ، وكل عمل خَلَا عنها لم يعتدّ به، فالاحرام شرطٌ لا رُكْنٌ.
وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} (?) وهو عامٌّ في جميعهم، مسترسلٌ على جملتهم من غير خلاف في ذلك، إِلَّا في هذه الآية، خَلَا الصّغير فإنّه يخرج بالإجماع عن أصول التَّكْلِيفِ. فلا يقال إنّه خَصَّه لأنّه فيه.
وكذلك العبد لم يدخل فيها؛ لأنّه أخرجه عن مُطْلَقِ العموم الأوّل، قوله في التّمام للكلام: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} والعبدُ غير مستطيع؛ لأنّ الله قد قَدَّمَ حقَّ السَّيِّد على حَقِّهِ.
واختلف النّاس هل الحج مسترسل أو هو على الفور:
فذهب (?) جمهور البغداديِّين إلى (?) حمله على الفور. ويضعف عندي.
واضطربتِ الرَّوايات عن مالكٌ في مُطْلَقَاتِ ذلك، والصحيح عنه من مذهبه؛ أنَّه لا يحلّم فيه بفَوْرٍ ولا تَرَاخٍ، وهو الحَقّ.