بجسمِ ولا لها بابٌ (?) حقيقة.

والمعنى الثّاني: تكون الرَّحمة بمعنى الجَنَّة، فإنها رحمةُ الله، وفي الحديث الصّحيح؛ أنّ الله تعالى قال للجَنَّةِ: "أنت رحمتي أرحم بك من شئت من عبادي"، وقال للنَّار: "أنت عَذَابِي أصيب بك من أشاءَ من عِبَادِي ولكل واحد منكما ملؤها".

الفائدةُ الثّالثة (?):

قوله: "وصُفِّدَتِ الشّياطين" يعني شدّت في الصِّفَادِ، وهي الآلة الّتي تصفد بها اليدان والرِّجلانِ. والتّصفِيدُ بتخفيف الفاء هو الغُلُّ عند العرب، والشّياطين هم خَلْقٌ من خَلقِ الله، وهم ذُرِّيَة إبليس - لَعَنَهُ اللهُ-، وهم أجسامٌ يأكلون ويطعمون ويشربون ويولدون ويموتون ويعذّبون ولا يُنَعَّمون بحالٍ.

وأَنْكَرَتْ ذلك القَدَرِيّة لإضمارهم عقيدة الفلاسفة، وربمّا خَيَّلُوا على عوامّ المسلمين، فيقولون: هم أجسامٌ لطيفةٌ، لا تأكل ولا تشرب، بسائط، وكذبوا: ليس كذلك عندهم ولا عند الفلاسفة حقيقة، ولا هم موجودون، لا لطائف ولا بسائط، وقد بيَّنَّا هذا الفن في "الكتاب الكبير" فليُنظر هنالك.

تنبيه على وهم:

أمّا قولُه: "صُفَّدَتِ الشّياطين" فمن النّاس من قال: إنّه حمل المُطْلَق على المقيَّد، وليس كذلك، وإنّما هو من باب الخَاصِّ والعامّ، وذلك قولُه: "صُفِّدَتِ الشّيَاطِينُ" عامٌّ في المَرَدَةِ وغيرِهِم. وقوله: "صفِّدَتِ المَرَدَةُ مِنَ الشَّيَاطِينِ" خاصٌّ في المَرَدَةِ لا غير. والأصلُ في هذا الباب -أعني من الخاص والعام- أنّ الخاصّ والعامّ إذا وَرَدًا، لا يخلو أنّ يكونا متِّفِقَيْنِ أو مختلفين، فإن كانا مُتَّفِقَيْن، كان الخاصُّ على خصوصه والعامُّ على عمومه، ويكونُ في الخاصِّ زيادة فائدة.

مثال ذلك: قولُه -عليه السّلام-: "لا صلاةَ بعدَ العَصْرِ حتَّى تغرب الشَّمسُ، ولا صلاةَ بعدَ الصُّبحِ حتَّى تطلع الشَّمسُ" هذا عام في الوَقْتِ كلِّه وحديثُ عبد الله بن عمر: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشّمس ولا صلاة بعد الصُّبح ولا غروبها" هذا خاصٌّ في هذا الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015