المسألة الثّانية (?):
قوله (?): "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ" قال علماؤنا: إنَّما خصصنا الجماع؛ لأنّ الاحتلام مُتَّفَقٌ عليه.
وقوله: "غَيْرِ احْتِلَامٍ" على معنى الإبلاغ في البيان، لتزول الشبهة ووجوه الاحتمال، وتخليص الحديث حُجَّة في موضع الاختلاف، وذلك أنَّ الأحداث كلّها لا تمنع الصّوم، سواء كانت من عَمَدٍ أو غير عَمَد، وكان أبو هريرة يقول: "مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ لَمْ يَصِحّ صَوْمُهُ" (?) فزال ذلك الخلاف بخَبَرِ عائشة وأمِّ سَلَمَة، وهما أعَلم بهذا لمكانهما من رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - واطِّلاعهما في ذلك على حاله، ومعرفتهما بما خَفِيَ على النَّاس من أَمْرِهِ.
المسألة الثّالثة (?):
وأمّا حدث الحَيْضِ، فقد قال مالك: إنّه - لا يمنع صحَّة الصَّوم، وعليه جمهور الفقهاء سواء أخّرت الغُسلَ عمدًا أو غير عمدٍ.
وقال ابنُ مَسْلَمة: يمنع صحَّة الصَّوم.
ودليلنا: أنّ هذا حَدَثٌ زالَ موجبه قبلَ الفجرِ، فلا يمنع بقاء حكمه صحّة الصَّوم كحدث الجنابة. وفي "المجموعة" من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك: إنّما ذلك في الّتي تطهر (?) قبل الفجر، فتتوانى في الغسل حتّى يطلع الفجر، وأمّا الّتي ترى الطهر قبل الفجر فتأخذ في الغسل دون توانٍ، فلا تكمل غسلها حتّى يطلع الفجر، فإنّها كالحائض قاله عبد الملك، فجعل من شرط جواز الصَّومِ إمكانَ الغسلِ قبلَ الفجرِ.
وقال ابنُ شعبان: تصوم ويجزئها، وفيها قول آخر: أنّها تفطر وليست كالجنب، واللهُ أعلمُ.