الاحتمال في الحديث الثّاني فقال: "وَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ" فكان تفسير التّقْدِير.
وأمّا الثّاني: فلا يجوز أنّ يُعَوَّلَ في ذلك على قول الحساب، لا لأنّه باطلٌ، ولكنّه صيانة لعقائد النّاس من الارتباط بالعُلْويّات (?) وأنْ تعلق عباداتها بتداوير الأفلاك ومواقعها في الاجتماع والاستقبال، وذلك بحر عَجَّاجٌ إنْ دخلوا فيه غَرِقُوا، والنّجاة في قوله: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسبُ ... " الحديث. فإذا كان النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - ينفي عن نفسه تصريف الأنامل المعتادة عند أهل الحساب، فأَوْلَى وأَحْرَى أنّ ينفي عن نفسه تصريف الكواكب وتَعْدِيلَهَا (?).
قال الإمام: فإذا انتهى القول هاهنا، فإنّ العلّماء اتّفَقُوا على أنّ قول المؤذِّن الواحدِ مقبولٌ في الوقتِ للصّلاة، وفي الفِطْر والإمساك للصّوم، قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِي ابْن أُمِّ مَكْتُومٍ ... " الحديث (?). فإذا كان هذا هكذا، فإنّه قد اختلفوا في لزوم الصّوم لرمضان والخروج عنه على أربعة أقوال:
القول الأوّل: إنّه لا يصام ولا يفطر إلَّا بشاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ غير مستورين (?)، قاله مالكٌ، وإسحاق، واحد قولي الشّافعيّ، وجماعة كثيرة.
الثّاني: قال الشّافعي: يُصامُ بشاهدٍ واحدٍ، ولا يفطر إلَّا بشاهِدَيْن رَجُلَيْن عَدْلَيْن.
الثّالث: يصام ويفطر بشاهدٍ واحدٍ، قاله أبو ثَوْر.
الرّابع: إنْ كانت السّماء مغيمة (?)، لم يقبل في الهلال شاهدان (?) -وبه قال سحنون- حتّى يكون الخبر مستفيضًا.
ومدارُ المسألة من طريق الأثر على حديث (?) ابن عبّاس دون غيره، قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - فَقَال: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا الله، أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ يَا بِلاَل، أَذِّنْ في النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا