وقال علماؤنا: قوله "فَاقدُرُوا لَهُ" إنّ الهاء في "له" (?) تعود على الشّهر وهو الهلال المتقدِّم الذِّكْر *وهو الهلال سُمِّيَ بذلك لشهرته، ويقال: الاسم يعود (?) إلى الأيام الّتي تختلف عليه فيها أحواله الثلاثة من الابتداء والاستواء والانتهاء* (?)، وقد جمع بينهما في الحديث الصّحيح، واللّفظ لمسلم (?)، قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشرُونَ" معناه: حصره من جهة أحد طَرَفَيْه وهو النُّقْصَان، أي أنّه قد كان تسعًا وعشرين وهو أقلّه، وقد يكون أكثر، فلا تأخذوا أنتم بصوم الأكثر لأنفسكم احتياطًا، ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا، ولكن اربطوا عبادتكم برؤيته، واجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءً وانتهاءً باستهلاله.
نكتةٌ:
قوله: "فَإنْ غُمَّ" يريد من الغيم لا من العدد، الدّليل على ذلك قوله: "لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ" والحديث يفسّر بعد هذا.
وقال ابن حبيب (?): "يريد من العدد، ولو أراد الغيم لقال: غُيِّمَ عليكم" وأخطأ لقول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "غُمَّ" من الغيم مجاز، فَفَرَّ من المجاز ووقع فيه.
وقوله: "فَاقْدُرُوا لَهُ" ذهب بعض العلّماء إلى أنّ الهلال إذا التبس على النّاس فإنّه يحسب له بحساب المُنَجِّمِين، وزعم أنّ هذا الحديث يدلُّ على ذلك، واحتج أيضًا بقوله: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (?) على أنّ المراد به الاهتداء في الطُّرق في البَرِّ والبحر.
وقالوا أيضًا: لو كان التّكليف يتوقَّفُ على حسابِ النّجوم لضاقَ الأمرُ فيه، إذ لا يعرف ذلك إلَّا قليل من النّاس، والشَّرعُ مبنيٌّ على ما يعلمه الجماهير من العلّماء.
وأيضًا: فإنّ الأقاليم على رأيهم مختلفة، ويصحّ أنّ يُرَى في إقليم دون إقليم، فيؤدِّي ذلك إلى اختلاف في الصّوم عند أهلها، مع كون الصّائمين منهم لا يعدِلُون غالبًا على طريق مقطوع، ولا يلزم قومًا ما ثبت عند قوم من طريق النّجوم.