المسألة الخامسة (?):
قوله: "فَإِنَّ الْعَائِدَ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئِهِ" يريد أنّه من القُبْحِ (?) بمنزلةِ العائِدِ في أكل ما قذف (?) بعد أنّ قَبُحَ وتَغَيَّرَ عن حالِ الطَّعامِ، وكذلك المتصدِّق قد أخرج في صَدَقَتِهِ أوساخ مَالِهِ، فلا يرتجعه إلى ملكه بعد أنّ تَغَيَّرَ بصَدَقَتِهِ.
وفي هذا خمسة فصول: الأوّل: في وجه العَطِيَّة. الثّاني في صِفَتِها. الثّالث: في صفة المُعْطِي. الرّابع: في صفة الارْتِجَاعِ، الخامس: في حُكْمِ الارْتِجَاعِ.
فهو أنّ يُعْطِي على وجه الصَّدَقَة الواجبة أو التَّطَوُّع، فهذا لا يجوز له ارتجاع صدقته لقوله: "الْعَائِدُ في صَدَقَتِهِ ... " الحديث.
وأمّا إنْ كانت عَطِيَّته على غير وجه الصَّدقَةِ، ففي "الموّازية" (?) في الّذي يحمل على الفَرَسِ لا للسَّبِيل ولا للمَسْكَنَةِ، قال مالكٌ: لا بأس أنّ يشتريه.
ووجه ذلك: أنّها عطيَّةٌ لم يقصد بها القُرْبَة، فجاز له أنّ يملكها في المستقبل، كما يجوز له اعتصار ما وهب لغير القُرْبَة، والحديثُ محمولٌ على العَوْدِ إلى ملك ما وَهَبَهُ على وجه القُرْبَةِ، ومحمولٌ على ارتجاع ما وهَبَ الأجنبي بغير عِوَض، بدليل ما قَدَّمنَاهُ، وتركّب على هذا ما أمكن.