قال الإمام: حديثُ كيف يأتيكَ الوَحْيُ؟ هو سؤال عن الكَيْفِيَّةِ؛ لأنّه كان يأتيه الوَحْيُ على ثلاثةِ أنواعٍ (?):
أحدُها: كَدَوِيِّ النَّخل، رواه عمر (?).
الثّاني: مثلُ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ في شدَّةِ الصَّوت، وهو أشدّ عليه (?).
الثّالث: وقد كان يأتيه رجل فيكلِّمه، وهو أَخَفُّهُ (?).
والحِكمَةُ في ذلك؛ أنّ البارى تعالى كان يقلِّب عليه هذه الأحوال زيادةً في الاعتبار وقوَّةً في الاستبصار، فبوَّب البخاريّ: باب كيف كان بدءُ (?) الوَحْي على (?) رسول الله (?).
وفي حديث الحارث (?): كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فكانَ المرادُ حديث عائشة. والثّاني كان أوقع، إلَّا أنّ وجه تقديم حديث الحارث يظهر من طريقين (?):
أحدهما: أنّ كلَّ ظُهُورٍ ابْتِدَاءٌ، وليس كلّ ابتداء ظهور، فَبَدَأ بالمعنى العامّ. ولنا في هذا الحديث ممّا قيَّدْنَاهُ عن علمائنا فوائد كثيرة.
الفائدةُ الأولى:
فيه أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يسأله أصحابُه عن أَمْرِ الدِّينِ، والسُّؤالُ في أمر الدِّينِ على قسمين: سُؤالٌ عن فَنِّ العقائد، وسؤالٌ عن فنِّ العَمَلِ.
والسُّؤالُ عن فنِّ العمل عندهم مكروهٌ إلَّا عن ما يقع، وقد كانت المسألةُ تدورُ على الصَّدْرِ الأوّل، فيقال: دَعُوها حتّى تنزل.
وأمّا السُّؤالُ عن العقائد فَمَذْمُومٌ، وكذلك عن الغريب، حتّى أنّ عمرًا