امرأة متأنقة لا تريد أن تطلع الشمس كل يوم على زي جميل ليكون لزوجها كل يوم هم جميل، ثم هي أحسن ما تكون حين تخرج من بيتها كأن بيتها منخل لا يمسك منها إلا الحثالة! ... إننا يا قوم لقاء المرأة لا تلقاء معجزة من معجزات الأنبياء، فنحن نستطيع أن نقول هذا خطأ فيها وهذا صواب منها، ولكنها على أي أحوالها لا تريد أن نكون معها أبداً إلا على حالة واحدة، تريد أن تشبه نفسها، لأنها لا ترى أكمل من نفسها، أما الرجل فهو إذا رأى فيها نقصاً فذلك عندها لأن عينه عين رجل تكاد أهدابها تكون من شعر اللحى والشوارب ... فمن ههنا لا يرى الخبيث تلك الحسنات النسائية التي تترقرق من المرأة في كل شيء صافية جميلة كنور القمر.
ترى هذه المرأة أن كل حسن في أعمالها لا يكون إلا أحسن شيء لأنها حسناء، ولكنها لا تقر أبداً أن كل قبيح في أعمالها ينبغي أن يكون أقبح شيء ولماذا؟ لأنها حسناء أيضاً! ...
هذه المرأة الجميلة قد ظنت عند نفسها أنها شيء مقدس، ولذلك لا تريد أن تعمل عملاً، كبقرة البراهمة، فيا ليت الرجل كان شيئاً مقدساً أيضاً كعجل المصريين القدماء!.. ولكن البقرة المقدسة في المرأة لا تعرف العجل المقدس في الرجل! ...
يا هؤلاء، إنما الرجل مخلوق قوي، ولكن معظم قوته منصرف إلى حواسه، فمن ثم كان في يد المرأة ضعيفاً، لأنها على ضعفها ينصرف ما فيها من القوة إلى عواطفها، فلا يلتقي الخصمان إلا كانت الهزيمة على الرجل، وقد كان لولا سفاه رأيه في منظر عن هذا ومستمع، فما رأيت قط رجلاً يهوى امرأة إلا اعتد سلطانه في أنه يشعر بسلطانها عليه، وكان رضاه في أنها راضية عنه، فهكذا هكذا.
جعل الرجل حاجته الكبرى في المرأة، وبالغ في توهم هذه الحاجة، وافتن في تصويرها ألواناً وضروباً، فجعلت المرأة حاجته إليها سبب كل حاجة لها، وبالغت في الطلب، واحتكمت فيم تطلب، وانصاع الرجل في يدها كالبهيمة السائمة، وجعله التمدن الفاسد في رأيها كآلة الساعة: علامة ضبطها وإتقانها "أن لا تقدم ولا تؤخر"! ... وأن تعجب فاعجب أن هذا الرجل نفسه إذا هو كبحها مرة عن حاجة تطلبها، أرضاها بحاجة أخرى لم تطلبها، فكأن هذا المسكين إذ تعبد لها يأبى إلا أن يكون عبداً بشهود وأدلة.. وتحسب المرأة اليوم أنها غير المرأة من قبل، وغير ما كانت حالها، كأنها رقى في التاريخ، فقد غيرت نفسها بالفنون والعلوم والأزياء، وبهذا التحكم الباطل وبهذه الدعوة الفارغة، وأنا أول المؤمنين أنها غيرت نفسها ولكن غيرتهما الطبيعة؟ أيها السادة، إن كلمة "هات" وكلمة "خذ" لولا كلمتان لخربت الدنيا وتقاصرت الأمور والأحوال، وكل عمل وكل عامل يتركب منهما. فالدنيا كلمتان: "هات، وخذ"، والحياة كلمتان: "هات وخذ" والمرأة التي تصفونها كلمتان أيضاً ولكنهما: "هات، وهات"..
قال "الشيخ علي": ومر هذا الكونت في فلسفته يمضغها مضغ الماء وربما أصاب شيئاً، ولكن ماذا تنفع كلمة الحق يراد بها الباطل؟ وهذا الرجل يتكلم كأنه ابن شجرة لا ابن امرأة ... ! على أن من تعلق شيئاً من أمور الحياة وكل إليه، وهو بعد لم يعرف غير المال يجمعه ويدخره، وقد خلقه الله رجلاً مالياً ويسره لم خلق له، وكثيراً ما رأى وجهه في المرآة فكان يعجبه من منخريه أنهما في تفرطحهما "كحافري حصان الجنيه الإنجليزي"! ...
ولما استوفى عمر السبعين وأصبح في يبسه وموته كأنه جذر قرن من الزمن، خرج في عيد مولده إلى سواد المدينة منحدراً إلى قرية يملكها، وانطلق يجتلي مناظر الطبيعة، فكان لا يرى في السائمة والطير والنبات والأزهار إلا شباباً وطفولة، وكان وحده منظر الهرم المستميت في هذه الطبيعة كلها، وأعجبته شجرة قائمة على مسيل الماء، وأعجبه أن يتفيأ ظلها وقد تجفى بروحه المتعبة بردها ونسيمها، فانطرح يتثاءب هنيهة وأحب أن يسافر إلى شبابه البعيد على مطية النور، فكيس رأسه على ذراعه فإذا هو نائم كأنما جرع السم فخمده من فوره ...