وأَسْرَعُ من الرِّيحِ (?) أي قد بَلَغَ في البُعْد، والسُّرْعَةِ الغايَةَ، وليس ذلك كَذِبًا لأَنَّ السامعَ يَعْرِفُ مَذْهَبَ القائل فيه، ولأنّ العربَ جميعًا متواطِئُون على ذلك. وإذا كان الكلامُ استفهامًا فيه تَقْريرٌ جاز، فيقالُ: العافيةُ خيرٌ أم السُّقْمُ؟ الإِطلاق خَيرُ أم الحَبْسُ؟ تُريدُ أَنْ تَرْدَعَ المخاطَبَ عما يُعْقِبُهُ السُّقْمُ، وعما يُؤَدِّيهِ إلى الحَبْسِ.

وكذلك قولُ اللهِ جلّ وعزّ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} (?)؟ أراد أن يقررهم بخلقِهِ لهم، ويُفْهِمَهُمْ أنَّ مَنْ خَلَقَ السماءَ على عِظَمِها قادِرٌ على أن يَخْلُقَ ما دونَها، وقد يجوزُ للرجلِ إذا كان منتقلًا من (?) حالِ شِدَّةٍ إلى حالِ رَخاءٍ، ومن (?) حالِ مَسْكَنَةٍ إلى حالِ سَعَةٍ أنْ يقولَ: هذا الذي نحنُ فيه خَيرٌ مما كُنّا عليه، ولا خَيرَ في الأمرِ الأَوَّلِ يُريدُ بذلك أن يُحَدِّثِ بنعمةِ اللهِ عليه، ومن هذا قولُ عَدِيِّ بنِ زَيدٍ (?)، وَذَكَر الخمرَ، والشفاهَ:

والمشرف الهنديّ نُسْقَى به ... أَخْضَرَ مَطْموثًا بماءِ الخَريصْ

والربربُ المكفوف أردانُهُ ... يمشي رُويدًا كَتَوَحِّي الرّهيصْ

ذلِكَ خَيرٌ من فُيُوجٍ على الـ ... بابِ وقَيدَينِ وغلٍّ قَرُوصْ (?)