بينِكُمْ اثنانِ ذوا عَدْلٍ منكم، أو آخَرانِ من غيرِكُمْ أي مِن غيرِ قبيلتِكم، فيكون الإشهادُ في الموضعينِ للمؤمنينَ، ولا يجوزُ مع العمومِ في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أن يكونَ غيرُ المؤمنينَ مؤمنينَ. ومثلُ هذا من التمثيلِ أيضًا لو قال: يا مَعْشرَ الجنّ ألم يأتِكم رُسُلٌ منكم، ومن غيرِكم، ولا يكون غيرُ الجنّ من الجنّ، وإنّما يكون غيرُهُم من الإِنسِ.
ومن الدليلِ أيضًا أنّه لو أراد إشهادَ غيرِ قبيلتِهِ من المؤمنينَ كان الحكمُ فيهم أن يكونوا أيضًا عُدولًا، كما شَرَطَ فيمن كان من أنفسِهِم وقبيلتِهِم، وإذا كانوا مسلمين عدولًا فبأي معنى أمرنا بإحلافهم؟ والشاهد غيرُ العَدْلِ لا يَمينَ عليه فكيف العَدْلُ؟ . ولِمَ أمر بإحلافِهِما من بعد الصلاةِ؟ يريد صلاةَ العصرِ إنْ نحن ارْتَبْنَا في شهادتِهِما، ويَأْثَمُ المسلمونَ في كل وقتٍ من اليمينِ الفاجرة، وإنّما يَتَوَقّى الحلفَ بعدَ العصرِ أهلُ الكتابِ؛ لأنّهم يُصلّون لطُلوعِ الشمسِ وغُروبِها، ولمَ جعلنا نرتابُ بشهادةِ المسلمَينِ الَعَدْلَينِ إذا كانا من غير قبيلتِنا، ولا نرتابُ بهِما إذا كانا من قبيلتِنا. ثم قال: {اسْتَحَقَّا إِثْمًا} (?)؛ يعني حَنْثًا في اليمين {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} (?) من أَوْلياءِ المَيِّتِ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}. وكيف صارَ الوليانِ من أولياءِ الميِّتِ أَصَحَّ شهادةً من المؤمنَينِ العَدْلَينِ وأولى بالقول، لو كان الأمر على ما ذهبوا إليه، ولكنهما صارا أحق بقبول القول، وإبرار القسم لكفر الشاهدين، وإيمان الوليين ثم قال: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}؛ يعني أهل الذّمّة، ولا يجوز أن يكون هذا للمؤمنَين العدلَين؛ لأن المؤمنَين العدلَين يأتيان بالشهادة على وجهها على كل حال ثم قال: {أَو يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيمَانٌ} على أولياء الميت {بَعْدَ أَيمَانِهِمْ}، فيفضحوا أو يُغرّموا.