والتَّرافُدَ والتَّعاوُنَ، وقد كانت العربُ ربما جاورَ القبيلةَ منهم رجلٌ غريبٌ، فيَعْقِلونَ عنه، ولا يُسَلِّمونَهُ، ولا يُحَمِّلُونَهُ ما لَعَلَّ يَدَهُ لا تبلُغُهُ، وَوُجْدُهُ لا يَتَّسِعُ له، فَيُسفَكُ لذلك دَمُهُ. وإِذا كانَ هذا حسنًا في المجاوِرِ الغَريبِ فَهُوَ في العَصَبَة، والعَشيرَةِ أَحَقُّ، وأَوْلى.
ولو أُسْلِمَ كُلُّ جاني خَطَأٍ بجنايَتِه، ولم يُتَحَمَّلْ عَنْهُ، وَوُكِلَ إلى نَفْسِه، ومالِه، أَو إِلى مالِ وَرَثَتِهِ دِنيًا دونَ عَصَبَتِهِ وَعَشيرَتِهِ لم يَكُ في أموالِ أَكْثَرِ الناس، ولا أموالِ وارثيهِمْ ما يُحيطُ بِهِ من الإِبِلِ؛ لأنَّ أَهْلَ الثَرْوَة، واليسارِ في الناسِ قليلٌ، وإذا لم يَكُ في أموالِهِمْ ما يَفُكُّهُ من الجنايَةِ ارْتُهِنَ بذلك أبدًا حتى يُوسِرَ، أو يُطَلَّ الدمُ، أو عدا عليه السَّفيهُ من الأولياء، فَقَتَلَهُ، فأَرْفَقَ اللهُ عبادَهُ بأن أَوْجَبَ عَقْلَ الخَطَأِ على العاقِلَة، وأَلْزَمَ الواحِدَ منهمْ قَدْرَ الثلاثَةِ والأَرْبَعَةِ والخَمْسَة، وأَشْباهِ ذلك، مما لا يَفْدَحُ، ولا يُثْقِلُ مُتَحَمّلَهُ، وكان ذلك، إذا اجتمعَ، كثيرًا عظيمًا في صَلاحِ حالِ الجاني، وفَكاكِهِ ممَّا لَزِمَهُ.
ولم يَجْعَلْهُ في العَمْدِ عُقُوبَةً للمُتَعَمِّد، وتَشْديدًا عَلَيْهِ لِيَكُونَ بينَ أَمْرَيْنِ غَليظَيْنِ؛ إِمّا القِصاصُ، وإِمّا الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ اللازِمَةُ في مالِه، ولَعَلَّهُ لا يَجِدُها، وقَدْ حَرمَهُ اللهُ أن يُعَانَ عَلَيْها لِيَتَنَاهَى الناسُ عن الدّماء، وعن الجِراحِ. ولَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَلْزَمُ لِأَحَدٍ من العَقْلِ في الخَطَأِ إِلَّا لَزِمَهُ مِثْلُهُ لِأَخيهِ إذا أَصابَ خَطَأً، فإذا لم تكُنْ لِلرَّجُلِ عاقِلةٌ، وعَشيرَةٌ عَقَلَ عَنْهُ المُسْلِمونَ من بَيْتِ مالِهِمْ كَيْلا تَضيعَ الدِّماءُ، ولا يُلْزَمُ المُخْطِئونَ ما لا يُطِيفُون.