(فصل)
وأما القصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك:
فمذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين أن القصاص ثابت في ذلك، وهو المنصوص عن أحمد في رواية إسمعيل بن سعيد الشالنجي، وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه لا يشرع في ذلك قصاص؛ لأن المساواة فيه متعذرة في الغالب، وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
والأول: أصح، فإن سنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مضت بالقصاص في ذلك، وكذلك سنة خلفائه الراشدين، وقد قال الله -عز وجل-: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقد قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ونحو ذلك.
وأما قول القائل: إن المماثلة في ذلك متعذرة، فيقال له: لا بد لهذه الجناية من عقوبة، إما قصاص وإما تعزير، فإذا جُوِّزَ أن يُعَزَّر تعزيرًا غير مضبوط الجنس والقدر، فلأن يعاقب بما هو أقرب إلى الضبط من ذلك أولى وأحرى، والعدل في القصاص معتبر بحسب الإمكان.
ومن المعلوم أن الضارب إذا ضرب ضربة مثل ضربته أو قريب منها، كان هذا أقرب إلى العدل من أن يعزر بالضرب بالسوط.
فالذي يمنع القصاص في ذلك خوفًا من الظلم: يبيح ما هو