مراكب المسلمين بالنار، فأحرقتها، هل يصبر من فيها على الهلاك أم يجوز له أن يلقي نفسه في البحر، وإن كان فيه الهلاك؟
فنقل أبو داود في الغزو في البحر إذا رمى الروم مركباً من مراكب المسلمين بالنار واشتعلت فيها هل يرمي نفسه في الماء؟
فقال: كيف شاء صنع. فظاهر هذا الجواز.
ونقل مهنا عنه في الرجل في البحر فترمى سفينته بالنفط والنار، فيطرح نفسه فيه البحر فيموت، قال: أكرهه، فظاهر هذا المنع.
(وجه الجواز) ما روى عبد الله بن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال:
من فر من حرق إلى غرق فهو شهيد ... رواه الحسن بن دوما ولأن هلاكه بالماء أيسر منه بالنار وهو مضطر في هذه الحال فله أن يختار أيسر الميتتين عليه: ألا ترى أنه لو أكره فقيل له لنعذبنك بالنار أو لتقتلن نفسك بالماء، كان في سعة من إلقاء نفسه في الماء؟
قال أبو بكر ينظر إلى الأغلب في السلامة فيستعمله على طريق الاجتهاد ومعناه أن كان الأغلب أن يلقي نفسه في البحر فيسلم فعل وإن كان الأغلب في نفسه أن يصبر صبر فأما أن اعتدلا وكان في كل واحد منهما الهلاك، فظاهر كلام أحمد يقتضي روايتين: إحداهما: يجوز له أن يلقي نفسه في الهلاك.
الثانية: لا يجوز له ذلك لأنه لا يتحقق هلاكه بالمشركين، لجواز أن يحصل الظفر بهم فيؤدي إلى أن يحصل قاتل نفسه فلهذا لم يجز.
وقال أيضاً في رواية بكر بن محمد وأبي طالب: إذا حصل أسيراً في المشركين، فقدموه يضربوا عنقه، فهل يعطيهم سيفه لأنه أمضى؟
قال: لا. قيل له فإنه يعذبه قال: يعلم الله أن يخلصه أو يعيش من ذلك الضرب.
ووجه الأولى: وأنه يجوز أن الظاهر والغالب قد أجرى في الأصول مجرى