فإن قلنا: يحنث في جميع ذلك فوجهه أنه خالف بين فعله وقوله في يمين مقصوده فيجب أن يحنث، دليله العامد.
ولأن الكفارات في الأصول تجب بسببين:
قول وهو اليمين وفعل وهو القتل والوطء والإتلاف في الإحرام، ثم ثبت أن الكفارة التي يوجبها الفعل يستوي فيها العمد والسهو وكذلك التي يوجبها القول فجاز أن يستوي فيها العمد والسهو، وإذا قلنا: لا يحنث في جميع ذلك فوجهه أن من حلف لا يدخل الدار فقد منع نفسه من ذلك وإنما يمكنه منع نفسه من ذلك على جهة العمد وأما حالة النسيان فلا يمكنه فحصلت تلك الحال مستثناة فلم تدخل تحت اليمين، ولأنه منع نفسه من ذلك بلفظ فهو كما لو منع نفسه بالشرع، والمنع بالشرع مختلف حكمه بالعمد والسهو وكذلك هاهنا، ويفارق هذا سائر الكفارات لأن تلك طريقها الإتلاف والإفساد فجاز أن يستوي فيها حال العمد والنسيان كإتلاف أموال الآدميين، فإذا قلنا: يحنث في الطلاق والعتاق ولا يحنث في اليمين بالله ـ عزّ وجلّ ـ ولا في يمين الظهار ـ وهو الصحيح ـ في المذهب، وبه قال الخرقي ـ رحمه الله ـ وأبو بكر الخلال وصاحبه فوجهه أن العتاق والطلاق يتعلق بهما حق الآدمي فاستوى فيه العمد والسهو كإتلاف أموال الآدميين وليس كذلك اليمين بالله ـ عزّ وجلّ ـ لأنه لا تعلق لآدمي بها وإنما هي لله خالصة فجاز أن يفرق بين عمدها وسهوها كالأكل في الصيام.
91 - مسألة: إذا حلف لا كلمت فلاناً فكلمة ميتاً أو نائماً أو مغلوباً عقله مجنون أو إغماء فهل يحنث أم لا؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: يحنث وحكي عن أحمد في رواية أحمد بن سعيد أنه يحنث لأنه لا اعتبار بسماع المحلوف عليه ولا يفهمه ألا ترى أنه لو كلمه وهو سكران لا يعقل أو أطرش لا يسمع ما يقول فإنه يحنث كذلك هاهنا. وعندي أنه لا يحنث في ذلك لأن الاعتبار في الإيمان بالأسباب ومعلوم أن من حلف لا يكلم فلاناً فإنما قصد كلاماً يقع به الفهم وهذا لا يقع به الفهم