ومما يقوي الوجه الآخر أعني الذي يقدر فيه أنه مبتدأ مؤخر قوله تعالى (نعم العبدُ إنه أوابٌ) فحذف "أيوبُ" لأنه مبتدأ جرى ذكره، ولو كان التقدير الآخر لم يجز أن يحذف المبتدأ والخبر، فلا يبقى منهما شيء يدل عليهما، وعلى ما يذهب إليه النحويون في "حبذا" يجوز أن يقع التفسير بعد "زيدٍ"، لأن "زيداً" على هذا مرتفع بـ "حبذا"، و"حبذا" بمنزلة اسم مبتدأ فيه معنى فعل.

فالفصل بين "حبذا"، وبين تفسيره مثل الفصل بين المفعول وفعله بالفاعل إلا أن هذا - وإن كان هكذا- فلا يمتنع على قياس قولهم إن تقدم، ويحسن تقديمه فيقع بعد "ذا"؛ لأنه لم ينتصب عن تمام الجعلة، إنما انتصب عن "ذا"، وإن كان "ذا" قد جُعِلَ مع غيره بمنزلة شيء واحد.

ألا ترى أن "درهماً" من قولك: "كذا وكذا درهماً" قد انتصب عن "ذا"، وجاز أن يلي المفسرُ "ذا" وكان ذلك الأحسن.

وكذلك "حبذا" وإن كان قد جعلها بمنزلة شيء واحد.

فإذا كان كذلك فقول أبي عمر: إن تقديم المخصوص في "حبذا" وتأخير التفسير أحسن مشكل.

من أي وجه صار أحسن؟ إلا أن تقول: إنه لما صار "ذا" و"حبَّ" شيئاً واحداً كان بمنزلة المفعول حكمه أن يجيء بعد الفعل والفاعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015