رأينا وسمعنا بعض الفقراء يصيحون عمن يرون عليه ثيابا نقية: يا بورجوازي أنت أكلت حقوقنا!!! ولو تأملوا في لباس من أثاروا هذه الفتنة بين الإخوة في الأمة الواحدة لعلموا أن أولئك هم البورجوازيون - حقيقة - لما يشاهدونه عليهم من آثار التنعم والبذخ: في لباسهم، ومركوبهم، ومساكنهم، وغير ذلك، ولكنها الدعاية المضللة والمهرجة والطمع القبيح.
فالشريعة الإسلامية جعلت للمخالفات والمنازعات أحكاما وحدودا، لو عمل بها المسلمون لزالت من بينهم كل أسباب العداوات، حتى الجنايات لها حدود وعقوبات بحسب الظروف والملابسات والأحوال، فإذا ارتكب المسلم مخالفة أو جناية عوقب عليها إلا في ظروف وأحوال خاصة، كالسرقة - مثلا - إذا كانت من اضطرار واحتياج، فإن السارق لا يطبق عليه الحد، ولا تقطع يده، لأنه سرق مضطرا، اضطره الجوع والحاجة إلى القوت، والشرع رحيم بالعباد، وفي قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع غلمان حاطب بن أبي بلتعة ما يدعم ذلك، وهو الحريص على تنفيذ الحدود والعقوبات، ولو على أقرب الناس إليه، إذا قامت البينة على ذلك، فقد ذكر المؤرخون وهم يتحدثون عن عدل عمر واجتهاده في أحكام الشريعة القصة التالية:
(روي أن غلمانا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأتي بهم عمر فأقروا فأمر كثير بن الصلت بقطع أيديهم، فلما رآهم صفر الوجوه، عليهم أثر الجوع والفاقة عدل عن إقامة حد السرقة عليهم، وقال لسيدهم: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له، لقطعت أيديهم، ثم وجه القول إلى عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة فقال: وايمن الله إذ لم أفعل ذلك لأغرمنك غرامة توجعك. ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة، قال عمر لابن حاطب: اذهب فأعطه ثمانمائة، وأعفى الغلمان السارقين من الحد، لأن حاطبا اضطرهم إلى السرقة لجوعهم وحاجتهم إلى سد رمقهم) من هذه القصة نعلم مبلغ اهتمام الحاكم المسلم بحالة العمال.
إن المجتمع المسلم الذي كونه الإسلام بتعاليمه وأحكامه العادلة مجتمع فاضل شغوف بالخير والإحسان، وقد بلغ درجة عالية في حب الخير،