ألا إنما غادرت يا أمَ مالك ... صدى إينما تذهب به الريح يذهب
فيه ثقيل أول مطلق بإستهلال ذكر إبن المكي أنه لأبيه يحيى، وذكر الهشامي أنه للواثق، وذكر حبش أنه لإبن محرز وهو في جامع أغاني سليمان منسوب إليه.
أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب للمجنون:
فو الله ثم الله إني لدائب ... أفكر ما ذنبي إليها وأعجب
ووالله ما أدري علامَ قتلتني ... وأي أموري فيك يا ليل اركب
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه ... أم أشرب رنقاً منكم ليس يشرب
أم أهرب حتى لا أرى لي مجاوراً ... أم أصنع ماذا أم أبوح فأغلب
فأيهما يا ليلَ ما ترتضيه ... فإني لمظلوم وإني لمتعب
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر ن شبة قال: ذكر هشام بن الكلبي ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي قال: حدثني إبن أبي سعد قال: حدثني علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي عن أبيه أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته إجتمعوا إلى أبي ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم وقالوا له أن هذا الرجل لهالك وقبل ذلك ففي اقبح من الهلاك بذهاب عقله وإنك فاجع به أباه وأهله فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك، فو الله ما هي أشرف منه ولا لك مثل مال أبيه وقد حكمك في المهر وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف بالله وبطلان أمها أنه لا يزوجه إياها أبداً وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأتهِ أحد من العرب وأسم إبنتي بميسم فضيحة، فأنصرفوا عنه.
وخالفهم لوقته فزوجّها رجلاً من قومها وأدخلها إليه فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وأدعِ الله عزّ وجل له ومره أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله أن يعافيه مما به ويبغضها إليه فلعل الله يخلصه من هذا البلاء، فحج به ابوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحاً في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشياً عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللون ذاهلاً فأنشأ يقول:
عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فأيأس لا أعزك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح نائياً ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أطراب الفؤاد وما يدري
دعا بإسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري
دعا بإسم ليلى ضلل الله سعيه ... وليلى بأرضٍ عنه نازحه قفر
وقال:
أيا حرجات الحي حين تحملوا ... بذي سلم لا جادكنّ ربيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلا لم تبلهن ربوع
ندمت على ما كان مني ندامة ... كما يندم المغبون حين يبيع
فقدتك من نفس شعاع فإنني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقرّبتِ لي غير القريب فأشرقتإليك ثنايا ما لهن طلوع وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته بل أن يختلط أن تستزيره ليلة وجدت فرصة لذلك، فمكث مدة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوّفه، فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوف فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة منها بحيث تسمع كلامه فحادثهن طويلاً ثم قال: ألا أنشدكنّ أبياتاً أحدثتها في هذه الأيام، قلن بلى، فأنشدهنّ:
يا للرجال لهمَّ بات يعروني ... مستطرف وقديم كاد يبليني
من عاذري من غريم غير ذي عسرٍ ... يأتي فيمطلني ديني ويلويني
لا يبعد النقد من حقي فينكره ... ولا يحدثني إن سوف يقضيني
وما كشكري شكر لو يوافقني ... ولا مناي سواه لو يوافيني
أطعته وعصيت الناس كلهم ... في أمره وهواه وهو يعصيني
قال: فقلن له: ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته، وجعلن يتضاحكن وهو يبكي، فأستحيت ليلى منهنّ ورقّت له حتى بكت وقامت فدخلت بيتها وأنصرف هو.
في الثلاثة الأبيات الأول من هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود، قالا في حبرهما: