" أبو محمد القاسم بن علي الحريري ": إمام في عصره ومقاماته، قد شرقت وغربت حتى صار إبتذالها عيبها وعنوان ما يليق بهذا الكتاب من نثره قوله: وقد أحاطت به أخلاط الزمر، إحاطة الهالة بالقمر. وقوله: وصل الكتاب الفلاني دام ممليه، متلألئة حالية معالية، فتلقيته كما يتلقى الإنسان، صحف الإحسان، لا بل تتلقى أنامل الراح، كؤس الراح، من أيدي الصباح، في نسمات الصباح.
" القاضي الفاضل البيساني ": آخر تقدم يفضله الأوائل، وغير في وجه قس أياد وسحبن وائل، لا أعلم بالمشرق والمغرب مثله، وعنوان عجائبه قوله: ووافينا قلعة نجم وهي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، وهامة لها الغمامة مامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قلامة. وقوله: وافى الإسطول اميمون في خمسين غراباً طائراً من القلوع بأجنحته، كاسر المخالب أسلحته، فما وافى شملاً إلا دعاه إلى الحين، وحقق ما يعزى إلى الغراب من البين، وقوله: ولقد لبد الماء في الليابيد فثقل وزنها، وأنعكس فيها بالتشبيه فصار كالجبال عنها.
" ضياء الدين أبو الفتح بن الأثير الجزري ": هو إمام كتاب المائة السابعة في فن هذا الكتاب، وله في ذلك رسائل مشهورة وعنوان بدائعه قوله: الخادم يشكر إحسان مولانا الذي ظل عنده مقيماً، وأصبح بتواليه مغرماً كما أصبح له غريماً، وله في صفة صيد ظبي، فلما أحس بنا طار خيفة حتفه، وكاد أن يخلف ظله من خلقه. وله في الفهد: يبلغ المدى الأقصى في أدنى وثباته، ويسبق الفريسة فلا يمسكها إلا عند إلتفاته، وقوله. وجه يرتوي من مائه الظمآن، مطر زبورد ونرجس وإقحوان، وإذا تأملته بين صدغيه علمت حينئذ أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان. وقوله: وجاء النيل يحكي رضا به جني النحل، وأحمرت صفحته فتيقنت أنه قد قتل المحل.
إبن خيران المصري: هو إمام كتاب الديار المصرية في المائة الرابعة، وعنوان طبقته قوله حين أمر خليفة مصر الحاكم بهدم كنيسة قيامة بيت المقدس: وقد خرج أمر الإمامة في هدم كنيسة القيامة على أن يصير سقفها أرضاً وطولها عرضاً.
إبن الصيرفي المصري: هو إمام كتاب المسافة خامسة بالديار المصرية، كتب بها عن الخليفة الآمر ووقفت على ترسله في نحو عشرين مجلداً ومنه إستمد القاضي الفاضل ومن أمعن النظر في ترسل إبن الصيرفي علم ذلك، ومن ملح ترمله قوله: وجاءت غربان الماء، تحكي قطع السحائب في أديم السماء، يحسب الناظر أنها ركاب، قد طفت في بحر السحاب، أو جفون محدقة والمجاذيف أهداب.
ذو الوزارتين أو عبد الله بن أبي الخصال: إمام كتاب الأندلس في طرفي المائة الخامسة والسادسة، وواسطة دره، قوله: أعزك الله فإني حططت والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بالسراج، تصول عليه صولة الحجاج، تارة تسدده سناناً، وطوراً تحركه لساناً، وآونة تطويه حبابة، وأخرى تنشره ذؤاية، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه بزة ذهب، أو حمة عقرب، وتقوسه حاجب فتاة، ذات غمزات، وتتسلط على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتخلفه تجماً، وتمده رجماً، وتسل روحه من ذبالة، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، ومسخته حدق جراد، ومشعته خاطف برق يكف بودق، ولثمت بسناه قنديله، ولفت على أعطافه منديله، فلا لحظ منه للعين، ولا حظ للناظر في اليدين، والليل زنجي الأديم تبري النجوم، قد حللنا سياجه، وأغترقنا أمواجه، فلا مجال للحظه، ولا تعارف إلا بلفظه لو نظرت فيه الزرقاء لأكتحلت، أو خضبت به الشيبة ما نصلت، والكلب قد صافح خيشومه ذنبه، وأنكر البيت وطنيه، وألتوى إلتواء الحباب وجلده الجليد، وضربه الضريب وصعد إنفاسه الصعيد، فحماه مباح، ولا هدير له ولا نباح، والنار كالصديق، أو كالرحيق، وكلاهما عنقاء مغرب، أو نجم مغرب.
عيسى بن خير العكيلي: وجدت في ترسله وهو من فضلاء المائة السادسة قوله اللائق هذا الكتاب: أنا أطال الله بقاء الكاتب الفاضل سراج العلم، وشهاب الفهم، في مجلس قد خجلت خدود تفاحه، وضحكت ثغور أقاحة، وخفقت فرقنا للطرب ألوية، وسالت بنا للهو أودية، وحضرتنا مقلة فصر إنسانها، وصحيفة فكن عنوانها، فإن رأيت أن تصل إلينا القصد، لنحصل بك في جنة الخلد، صقلت نفوساً أصدأها بعدك، وأثرت سرجاً أدجاهاً فقدك.