" الصاحب بن عباد ":هو تلميذ إبن العميد، ولكنه فوقه بالصعود في طبقتي المرقصات والمطربات، كقوله: نحن سيدي بمجلس غني إلا عنك، شاكر إلا منك، قد تفتحت فيه عيون النرجس، وتوردت خدود البنفسج، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارات النارنج، وأنطلقت السن العيدان، وقام خطباء الأوتار: هبت رياح الأقداح، ونفقت سوق الأنس، وقام منادي الطرب، وطلعت كواكب الندمان، وأمتد سماء الند، فبحياتي، إلا ما حضرت لنحصل بك في جنة الخلد، وتتصل الواسطة بالعقد. " وقوله في أخرى ": مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك، معول في شرفه عليك، فقد أبت راحته أن تصفو إلا أن تتناولها يمناك، وأقسم غناؤه أن لا يطيب حتى تعيه أذناك، فأما خدود نارجه فقد إحمرت خجلاً لإبطائك، وأما عيون نرجسه فقد حدّقت تأهيلاً للقائك، فبحياتي عليك، إلا ما تعجلت عليك، إلا ما تعجلت لهذه الأوطار، لئلا يخبت من يومي ما طاب، ويعود من همي ما طار، وكقوله: لا إعتراض بين الشمس والقمر، والروض والمطر. " وقوله ": الفاظ كما تورق الأشجار، ومعان كما تضحك الأزهار، من غرته تغور السلامة، حدثته السن الندامة، وكقوله: إثنى عليه ثناء العطشان الوارد، على الماء البارد.
" أبو النصر العتبي ": كاتب السلطان محمود هو عندي أرفع الجميع طبقة يما يليق بهذا الكتاب، فإنه فيه أطال وأطاب، وأخذ بالآزرة لا بالأهداب، وأما أقسم على ذلك بأجل ما يقسم به وبراءتي عن يميني، وقوف المطالب بالتحقيق على كابه الموسوم باليميني، فقد صمنه من ذلك العجائب، حط بمراقية مراتب كوكب، وعنوان محاسنه في هذا الباب قوله: يوم رقت غلائل صحوه، وغنجت شمائل جوه، وضحكت ثغور رياضه، وأطرد زرد النسيم فوق حياضه، وفاحت مجامر الأزهار، وأنتشرت قلائد الأغصان عن فرائد النوار، وقسام خطباء الأطيار، على منابر الأشجار، ودارت أفلاك الأيدي بشموس الراح، في بروج الأقداح، وقد سيبنا العقل في مروج الجنون، وجعلنا العذارى بأيدي المجون، فبحق الفتوة التي زان الله بها طبعك، والمروءة التي قصر الله عليها أصلك وفرعك، ألا تفضلت بالحضور، ونظمت لنا بك عقد السرور، وقوله: خيفة سألت في أودية الظنون، وبسطت إليه أجنحة المنون، ونفرته عن ضم القوادم للسكون. وقوله: ولما تسامع القوم بإقباله دب الفشل في تضاعيف أحشائهم، وسرى الوهل في تفاريق أعضائهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فجيوب الأقطار عنهم مزورورة، وذيول الخذلان عليهم مجرورة. وكقوله: لئن حرمت برك والدار دانية، ثم رزقته والمسافة نائية، فقد يضن الحبيب قريباً بوصاله، ثم يسمح بعيداً بطيف خياله، والله يطلع علينا سوالف، تلك الأيام، السوالف، مغلقة الأصداغ بأعتاب الزمان، معجمة الأطراف بخيلان الحسن والأخلاق.
" بديع الزمان الهمذاني ": من سابقي هذه الحلبة، وممن جاز في مراتبهم أعلى رتبة، وشاهدي على ذلك قوه لمن قدم إليه كتابه قبل الوفود إليه، كتابي والبحر وإن لم أره، فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه، فقد تصورت خلقه، والملك العادل وإن لم أكن لقيته، فقد بلغني هيبته وصيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره، وهذه الحضرة وإن إحتاج إليها المأمون، ولم يستغن عنها قارون، فإن الأحب إليّ أن أقصدها قصد موال، والرجوع عنها بجمال أحب إلي من الرجوع بمال، قدمت لتعريف، وأنا أنتظر الجواب الشريف، فإن نشط الأمير لضيف ظله خفيف، وضالته رغيف، فليزجر له بالإستقبال، طائر الإقبال. " ومن محاسن تركيبه " التي إحتذى البلغاء فيها حبذوه قوله: أنا لقرب مولاي " كما طرب النشوان مالت به الخمر "، ومن الإرتياح إلى لقائه، " كما أنتفض العصفور بلله القطر "، ومن الإمتزاج بولائه، " إلتقت الصهباء والبارد العذب، ومن الإبتهاج بمزاره، " كما إهتزت تحت البارح الغصن الرطب ".
" الأمير أبو الفضل الميكاي ": له في طبقات هذا الكتاب محاسن عنوانها مثل قوله: لو إستطعت لطرت بأجنحة السحائب، وخطبت بالشكر على متون الكواكب، وقوله: كلام سلب الماء رقته، والنحل ريقته، وقوله: أيام ظل العيش رطب، وكنف الهوى رحب، وشرب الصهباء عذب.