حدثني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: كان أبو عثمان أخا مولى جنان، وكان مولاها أبو أمية زوج عمارة وهي مولاتها وكانت له يحكمان ضيعة كان ينزلها هو وإبن عم له يقال له أبو مية، فقال أبو نواس فيه قوله:

أسأل القادمين من حكمان ... كيف خلفتما أبا عثمان

وأبا مية المهذب والما ... جد والمرتجى لريب الزمان

فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتمان

فأخبرني إبن عمار قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني محمد ن عبد املك إبن مروان الكاتب قال: كنت جالساً بسرّ من رأى في شارع أبي أحمد فأنشدني قول أبي نواس:

أسأل المقبلين من كمان ... كيف خلفتما أبا عثمان

وإلى جانبي شيخ جالس فضحك، فقلت له: لقد ضحكت من أمر، فقال: أنا أبو عثمان قال أبو نواس فيه هذا الشعر، وأبو مية إبن عمي وجنان جارية أخي، ولم تكن في موضع عشق ولا كان مذهب أبي نواس النساء ولكنه عبث خرج منه.

أخبرني علي بن سليمان قال: قال لي أبو العباس محمد بن يزيد، قال النابغة الجعدي:

أكنى بغير إسمها، وقد علم الله خفيات كل مكتتم.

وهو سبق الناس إلى هذا المعنى وأخذوه جميعاً منه، وأحسن من أخذه أبو نواس حيث يقول:

أسأل المقبلين من حكمان ... كيف حلفتما أبا عثمان

فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتمان

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمارة قال: أنشدني أحمد بن صدقة الأنباري لأبي نواس يذكر ماتماً بالبصرة وحضرته جنان:

يا منسي المأتم أشجنه ... لما أتاهم في المعزينا

سرت قناع الوشى عن صورة ... ألبسها الله التحاسينا

فاستفتنتهن بتمثالها ... فهن للتكليف يبكينا

حق لذاك الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا

أخبرني مي قال: حدثني إسحق بن محمد النخعي قال: حدثنا عبد الملك ن عمر بن أبان النخعي وكان صديقاً لأبي نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفي وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم وجنان واقفة مع النساء تلطم وجهها وفي يدها خضاب، فقال:

يا قمر أبرزه مأتم ... يندب شجواً بين أتراب

يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب

لا تبك ميتاً حل في حفرة ... وأبكِ قتيلاً لك بالباب

أبرزه المأتم لي كارهاً ... برغم آيات وحجاب

لا زال موتاً دأب أحبابه ... ولا تزال رؤيته دابي

فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني محمد بن عائشة قال: قال لي سفيان بن عيينة لقد أحسن ببصركم هذا أبو نواس حيث يقول: وشدد الواو وفتح النون:

يا قمراً أبصرت في مأتم ... يندب شجواً

يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب

قال: وجعل يعجب من قوله ويلطم الورد بعناب.

وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد قال حدثني حسين بن الضحاك قال: أنشد إبن عيينة قول أبي نواس:

يبكي فيذري الدر من طرفه ... ويلطم الورد بعناب

فعجبت منه وقال آمنت الذي خلقه. وقد قيل أن أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان والله أعلم. أخبرني بذلك الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني بعض الصيارف بالكرخ وسماه قال: كان حارس درب عون يقال له المبارك، وكان يلبس ثياباً نظيفة سرية ويركب حماراً فيطوف عليه السوق بالليل ويكريه بالنهار، فإذا رآه لا يعرفه ظن أنه من بعض تجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السوق ما يسعه ويفضل عنه، وكانت له بنت من أحمل النساء. فمات مبارك وحضره الناس، فلما أخرجت جنازته خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه، فقال أبو نواس فيها:

يا قمراً أبرزه مأتم ... يندب شجواً بين أتراب

وذكر الأبيات كلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015