قال وعمارة زوج عبد الرحمن الثقفي وهي مولاة جنان " أخرني " محمد ن يحيى الصولي ومحمد بن خلف قالا: حدثنا يزيد بن محمد المهلبي عن محمد بن عمر قال: غضبت جنان من كلام كلما به أبو نواس فأرسل يعتذر إليها فقالت للرسول قل له لا برح الهجران ربعك ولا بلغت أملك من أحبتك فرجع الرسول إليه فسأله عن جوابها فلم يخبره فقال:

فديتك فيم عتبك من كلام ... طقت به على وجه جميل

وقولك للرسول عليك غيري ... فليس إلى التواصل من سبيل

فقد جاء الرسول في إنكسار ... وحال ما عليها من قبول

ولو ردت جنان مردّ خير ... تبين في وجه الرسول

قال أبو خالد يزيد بن محمد وكان أبو واس صادقاً في محبته جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه ورأيت أصحابنا جميعاً يصححون ذاك عنه وكان لها محباً ولم تكن تحيه فما عاتبها حتى إستمالها بصحة حبه لها فصارت تحبه بسعد نبوّها عنه قوله:

جنان إن جدت يا مناي بما ... آمل لم تقطر السماء دما

وإن تمادى ولا تماديت في ... منعك أصبح بقفرة ومما

علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما

لو نظرت عينه إلى حجر ... ولد فيه فتورها سقما

أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال: حدثني محمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجمز وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد قال: حدثني الجماز قال: كنت عند أبي نواس جالساً إذ مرت بنا امرأة ممن بداخل الثقفيين فسألها عن جنان وألحفها في المسئلة واستقصى فأخبرته خبرها وقال: قد سمعتها تقول لصاحبه لها من غير تعلم أني أسمع: ويحك، قد آذاني هذا الفتى وأبرمني واحرج صدري وضيّق صدري عليّ الطرق بحدة نظره وتهتكه، فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رجمته.

ثم إلتفت فأمسكت عن الكلام فسر أبو نواس بذلك، فلما قامت المرأة أنشأ يقول:

يا ذا الذي عن جنان ظلّ يخبرنا ... بالله قل واعد يا طيب الخبر

قال إشتكيت وقالت ما إبتليت به ... أراه من حيث ما أقبلت في أثري

ويعمل الطرف نحوي إن مررت به ... حتى ليخجلني من حدة النظر

وإن وقفت له كيما يكلمني ... في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر

ما زال يفعل بي هذا ويدمنه ... حتى لقد صار من هممي ومن وطري

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني علي ن محمد النوفلي وأحمد بن سليمان إبن أبي شيخ قالا قال إبن عائشة، وأخبرني الحسن بن عليّ وإبن عمار عن الغلابي عن إبن عائشة قال إبن عمار، وحدثت به عن الجاز وذكره لي محمد بن داود بن الجراح عن إسحق النجعيّ عن أحمد بن عمير أن محمد بن حفص بن عمر التميمي وهو أبو إبن عائشة إنصرف من المسجد وهو يتولى القضاء فرأى أبو نواس قد خلا بامرأة يكلمها. وقال أحمد بن عمير في خبره وكانت امرأة قد جاءته برسالة من جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد فمر به عمر بن عثمان التيمي وهو قاضي البصرة. هكذا ذكر أحمد بن عمير وحده وذكر الباقون جميعاً أنه حفص قال الجماز وكانت عليه ثياب بياض وعلى رأسه قلنسوة مضربة فقال له إتقِ الله قال إنها حرمتي قال فصنها عن هذا الموضع، وأنصرف عنه فكتب إليه أبو نواس: قال:

إن التي أبصرتها ... بكراً أكلمها رسول

أدت إليّ رسالة ... كادت لها نفسي تسيل

من ساحر العينين يجذب ... خصره ودف ثقيل

متقلد قوس الصبا ... يرمي وليس هـ رسيل

فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما تقول

لرأيت ما إستقبحت من ... أمري هو الأمر الجميل

في هذه الأبيات لحنان من الرمل وخفيفة كلاهما لأبي العبيس بن حمدون. قال إبن عمير: ثم وجه بها ألقيت في الرقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال: إن كانت رسولاً فلا بأس. وقال إبن عائشة في خبره فجاءني برقعة فيها هذه الأبيات وقال لي أدفعها إلى أبيك فأوصلتها إليه ووضعتها بين يديه، فلما قرأها ضحك وقال: قل له أني لا أتعرض للشعراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015