خرج ذات يوم يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء فتطير منها وأنشأ يقول:
وكيف يرجى وصل ليلى وقد جزى ... بجد القوى والوصل أعسر حاسر
صديع العصا صعب المرام إذا إنتحى ... لوصل أمريء جذب عليه الأواصر
ثم سار إليها في غد فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه وانه يخاف تغير عهدها وأنتكائه، وبكى فقالت: لا ترعَ، حاشا الله من تغير عهدي، لا يكون والله ذلك إن شاء الله. فلم يزل عندها يحدثها بقية يومه ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه.
جاءها يوماً كما كان يجيء وأقبل يحدثها فأعرضت عنه وأقبلت على غيره بحديثها تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت:
كلانا مظهرٌ للناس بغضاً ... وكلٌ عند صاحبه مكين
فسرى عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي عندي أكثر من الذي عندك، وأعطي الله عهداً إن جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذلك.
قال: فأنصرفت عنه وهو من أشد الناس سروراً واقرهم عيناً وقال:
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لديّ ولا أهل
ولا أحد أفضي إليه وصيتي ... ولا صاحب إلا المطية والرحل
محاجبها حب الأولى منّ قبلها ... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل
أخبرني ابو جعفر بن قدامى عن أبي العيناء عن العتبي قال: لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من بني ثقيف موسر فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون. ثم نمي إليه طرف منه لم يتحققه فقال:
دعوت إلهي دعوة ما جهلتها ... وربي بما تخفي الصدور بصير
لئن كنت تهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر مني إنني لفقير
فقد شاعت الأخبار أن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشير
وقال أيضاً:
ألا تلك ليلى العامرية أصبحت ... تقطع إلا من ثقيف حبالها
هم حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها المال أقوامٌ ألا قلّ ما لها
إذا ما إلتفت والعيس صعرٌ من البرا ... بنخلة جلت عبرة العين حالها
قال: وجعل يمر ببيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليها ويقول إذا جاوزه:
الا أيها البيت الذي لا أزوره ... وإن حله شخص إليّ حبيب
هجرتك إشفاقاً وزرتك خائفاً ... وفيك عليّ منك رقيب
ساستعتب الأيام لعلها ... بيوم سرور في الزمان تؤوب
الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى. قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال:
كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلى العامية أو يراح
قطاة غزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
عروضه من الوفر. الغناء لإبن المكي خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحق وفيه خفيف ثقيل لسليمان مطلق في مجرى البنصر وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى في مجراها عن الهشامي.
قال: لما نقلت إلى الشقفي قال:
طربت وشاقتك الحمول الدوافع ... غداة دعا بالبين أسحم نازع
شحافاه نعباً بالفراق كأنه ... حريب سليب نازح الدار جازع
فقلت ألا قد بين الأمر فأنصرف ... فقد راعنا بالبين قبلك رائع
سقيت سموماً من غرابٍ فإنني ... تبينت ما خبرت مذ أنت واقع
ألم ترَ أني لا محب ألومه ... ولا ببدل بعدهم أنا قانع
وقد يتناءى الإلف من بعد غلفه ... ويصدع ما بين الخليطين صادع
وكم من هوى أو جيرة قد الفتهم ... زماناً فلم يمنعه للبين مانع
كأنه غداة البين ميت جوبة ... أخو ظمأ سدّت عليه المشارع
تخلس من أوشال ماء صبابة ... فلا الشرب مبذول ولا هو ناقع
وبيض تطلى بالبعير كانما ... نعاج الملا جيبت عليها البراقع