فإذا سلك الشاعر سبيل الاختصار، فإنه قلما يعمد إلي التكرار الملحوظ أو الملفوظ- أعنى أنه قلما يعمد إلي ترديد أسماء المواضع، أو تكرار ألفاظ بأعينها على النحو الذي رأيناه في شعر مالك بن الريب وجرير. وإنما يكتفي بشيء مزيج من التكرار الترنمي والتكرار الملحوظ، وذلك بأن يعمد إلى كلمات متقاربة المعاني، مترادفات أو شبيهة بالمترادفات، فيسرها سردًا، ليقوي بها معنى الجد والإعراض عن غرض النسيب.
خذ مثلا قول عبدة بن الطبيب من شعراء المفضليات (268):
فعد عنها ولا تشغلك عن عملٍ ... وإن الصبابة بعد الشيب تضليل
بجسرةٍ كعلاة القين دوسرةٍ ... فيها على الأين وإرقال وتبغيل (?)
عنسٍ تشير بقنواتٍ إذا زجرت ... من خصبةٍ بقيت منها شماليل (?)
قرواء مقذوفةٍ بالنحض يشعفها ... فرط المراح إذا كل المراسيل (?)
فقوله: "جسرة" و"كعلاة القين" و"دوسرة" و"إرقال" و"تبغيل" و"عنس" و"تشير بقنوان" و"قرواء" و"مقذوفة بالنحض" كل هذه من قبيل المترادفات، ولا تخلو اثنتان منها من تقارب في المعنى. ثم إنك تجدها جميعًا تشترك في أحرفٍ من نوعٍ واحد، كأنما أريد بها تقوية النغم والرنين، مثل الراء من جسرة