من اقتضى بسوى الهندي حاجته ... أجاب كل سؤال عن هلم بلم

وهذا شعر جيد. وأصله من حيث هو بيان من هناك.

وقال أبو الطيب:

محب كنى بالبيض عن مرهقاته ... وبالحسن في أجسامهن عن الصقل

وقال: وكان أطيب من سيفي مضاجعة ... أشباه رونقه الغيد الأماليد

فكل هذا من بائية أبي تمام. وليس أبو الطيب وحده أخذ منه، فقد أصاب ابن الأثير إذ قال فيه إنه رب معان وصيقل ألباب وأذهان.

ثم بعد هذا النسيب الحربي الحماسي، وقد ترى ما مهد به لذكر النجوم، وما زال أهل الحروب، حتى زماننا هذا يلجئون إلى استخبارها يريدون أن يهتكوا بذلك حجاب الغيوب، قال:

أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصًا وأحاديثًا ملفقة ... ليست بنبع إذا عدت ولا غرب

النبع شجر صلب والغرب رخو. قال التبريزي يقول هذه الأحاديث ليست بقوية ولا ضعيفة أي هي غير شيء.

عجائبًا زعموا الأيام مجفلة ... عنهن في صفر الأصفار أو رجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

وصيروا الأبرج العليا مرتبة ... ما كان منقلبا أو غير منقلب

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دار في فلك منها وفي قطب

لو بينت قط أمرًا قبل موقعه ... لم تخف ما تحل بالأوثان والصلب

ذكر التبريزي أن «مرتبة» تروى بتشديد التاء مفتوحة وهو عنده ضعيف ومكسورة وهو الوجه القوي عنده، وأن «ما كان منقلبا إلخ» بدل من «مرتبة» وليس مفعولاً وهو قول أبي العلاء ذكره المحقق في الهامش نقلاً عن ابن المستوفي وذكر رد ابن المستوفي على أبي العلا والذي رآه أبو العلاء كأنه نطق به عن لسان أبي تمام. وقوله ما كان منقلبًا أو غير منقلب فعند المنجمين أن الأبراج ثلاثة أقسام قسم منقلب ولا يعول فيما زعم التبريزي في تحقيق الأخبار إذ وردت وقت طالعه وما سوى المنقلب فهو غير المنقلب وهو ما يقولون له الثابت وهذا يعول عليه عندهم فيما ذكره التبريزي وذو الجسدين، وينبغي أن يكون هذا لا يعول عليه. والمنقلبة هي ما تمثل الأمزجة الأربعة وهي الحمل والسرطان والميزان والجدي والأمزجة هي الدم والصفراء والبلغم والسوداء والثوابت تمثل العناصر الأربعة ويقال للمنقلب بالإنجليزية cardinals وللثوابت fixed ولذوات الجسدين mutables يقضون بالأمر عنها إلخ.

نظر أبو العلاء إلى مقال أبي تمام هذا وولد منه كلمته الميمية:

لو كان لي أمر يطاوع لم يشن ... ظهر الطريق يد الحياة منجم

يولي بأن الجن تطرق بيته ... وله يدين فصيحها والأعجم

وقفت به الورهاء وهي كأنها ... عند الوقوف على عرين تهجم

ويقول ما اسمك واسم أمك إنني ... بالظن عما في الغيوب أترجم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015