وفيها:
بدت للناس منه شموس علم ... طوالع ما تزول وما تغيب
وألهمنا به التقوى فشقت ... لنا عما أكنته الغيوب
خلائقه مواهب دون كسب ... وشتان المواهب والكسوب
مهذبة بنور الله ليست ... كأخلاق يهذبها اللبيب
وآداب النبوة معجزات ... فكيف ينالها الرجل الأديب
وبائيته التي استهلها بذكر الموعظة والندم من الكامل:
وافاك بالذنب العظيم المذنب ... خجلًا يعنف نفسه ويؤنب
لم لا يشوب دموعه بدمائه ... ذو شيبة عوراتها ما تخضب
لعبت به الدنيا ولولا جهله ... ما كان في الدنيا يخوض ويلعب
لزم التقلب في معاصي ربه ... إذ بات في نعمائه يتقلب
يستغفر الله الذنوب وقلبه ... شرهًا على أمثالها يتوثب
تأمل هذا الكلام الصافي الصادق النابع من القلب.
يفري جوارحه على شهواته ... فكأنه فيها استباح مكلب
إذ المكلب مباح له الصيد بما علمه وذكر اسم الله عليه.
أضحى بمعترك المنايا لاهيًا ... فكأن معترك المنايا ملعب
ضاقت مذاهبه عليه فما له ... إلا إلى حرم بطيبة مهرب
متقطع الأسباب من أعماله ... لكنه برجائه متسبب
وقفت بجاه المصطفى آماله ... فكأنه بذنوبه يتقرب
وبدا له أن الوقوف ببابه ... باب لغفران الذنوب مجرب
صلى عليه الله إن مطامعي ... في جوده قد غار منها أشعب
في شعر البوصيري رحمه الله كثير من خفة الروح ونادرة الذكاء المصرية المعدن، وذلك أمر الإشارة إليه تفي إن شاء الله.
لم لا يغار وقد رآني دونه ... أدركت من خير الورى ما أطلب
ماذا أخاف إذا وقفت ببابه ... وصحائفي سود ورأسي أشيب
والمصطفى الماحي الذي يمحو الذي ... يحصي الرقيب على المسيء ويكتب
صلى عليه الله إن صلاته ... فرض على كل الأنام مرتب
ما حن مشتاق إلى أوطانه ... مثلي وراح بوصفها يتشبب