أي كما صورنا في أحسن تقويم فكذلك سوره. ثم ههنا إشارة إلى أن سورة وصورة لهما جمع متشابه فتقول سور بضم مشبع وصور كذلك وبه فسر {فإذا نفخ في الصور} بعض أهل التفسير. والنظير يشبهه النظير ثم سور القرآن فيها الروح والوحي، كما نحن في صورنا الحياة والروح. والأقاويل التي يتباهى بها الناس والتي رام أهل مكة أن يضاهوا بها القرآن فقد كانت كالتماثيل وليست في التماثيل حياة ولا روح. وأقاويل كل من رام مضاهاتها من بعد كذلك، فلا يخدعنك مظهر بلاغة من بليغ.

والأقاويل عندهم كالتماثيـ ... ــــل فلا يوهمنك الخطباء

أي لا تتوهم أن لكلامهم روحًا لمجرد تفيهقهم به. ثم ذكر ما فتح الله به على المسلمين من العلوم والتبحر فيها من طريق درس القرآن وجمعه والمحافظة عليه:

كم أبانت آياته من علوم ... عن حروف أبان عنها الهجاء

فهي كالحب والنوى أعجب الزر ... اع منه سنابل وزكاء

إذ هي الأصل الذي تفرعت منه كل معارف المسلمين ومعارف من أخذوا منهم وقلدوهم من بعد.

في البردة تناول البوصيري هذه المعاني التي ذكرها ههنا من معجزة القرآن تناولًا مختلفًا. وهذا من نادر ما يتفق من الإجادة لشاعر واحد في الغرض الواحد، قال رحمه الله:

دعني ووصفي آيات له ظهرت ... ظهور نار القرى ليلًا على علم

فالدر يزداد حسنًا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرًا غير منتظم

وبراعة البوصيري من محاسنها أنه لا يتملكه القصد إلى النظم السردي التعدادي كما قد يقع لكثيرين آخرين. فهو كما قال هنا يذكر من المعجزات ويترك إذ هي در يزينها نظمها ولا يشينها نثرها.

فما تطاول آمال المديح إلى ... ما فيه من كرم الأخلاق والشيم

آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم

قوله محدثة من قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون} [الأنبياء] أي هم قريبو عهد بها. وقوله قديمة بعد محدثة بليغ، وذلك أن «محدثة» تدل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015