فقضوا من مقالهم ما قضوه ... ثم آبوا بالرفد والحملان

بعد ما أرتعوا الأنامل فيما ... لا تعداه شهوة الشهوان

من خوان كأنه قطع الرو ... ض وإن كان في مثال خوان

فوقه الطير والصحاف وحاشى ... ذلك الطير من جفاء الجفان

ثم سام الأمير سوم الملاهي ... وخلا بالمدام والندمان

وقيان كأنها أمهاتٌ ... عاطفات على بنيها حوان

مطفلات وما حمان جنينا ... مرضعات ولسن ذات لبان

ملقماتٌ أطفالهن ثديا ... ناهدات كأحسن الرمان

مفعمات كأنها حافلاتٌ ... وهي صفرٌ من درة الألبان

كل طفل يدعى بأسماء شتى ... بين عود ومزهر وكران

أمه دهرها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن الترجمان

أوتي الحكم والبيان صبيًّا ... مثل عيسى بن مريم ذي الحنان

لو تسلى به حديثة رزء ... لشفي داء صدرها الحران

عجبًا له كيف يسلي ويلهي ... مع تهييجه على الأشجان

فترى في الذي يصيخ إليه ... أمرات المحزون والجذلان

فتأمل فهل ترى في وسع المصور القدير أن يلتفت إلى لون أو ظل أو شكل أو خط أو حركة في المهرجان لم يلتفت إليها ابن الرومي في هذه القصيدة؟ وتأمل الشاعر هل تراه في قصيدته إلا كما قلنا في بعض مقالاتنا، كالرسام الذي بسط أمامه لوحته وأقبل على الوجوه والأشكال يتفرسها ويطيل النظر إلى ملامحها وإشارتها وما تشف عنه من المعاني، وتشير إليه من الدلائل ويراقبها في التفاتاتها ومواقفها وحركاتها لينثني بعد ذلك إلى لوحته فيثبت عليها ما توارد على بصره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015