الافتراع لأن الفرع يكون عاليًا ويوصل إليه بمد الأكف وليؤكد مراده من أن الافتراع ههنا فيه معنى الفرع والعلو قال: «ترقت» وجعل للنوب همة والهمة ايضًا تناسب المعنى الجنسي الذي في البكر قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ثم جاء بيت الاستعارة المذهلة الذي كاد يتزندق فيه وقد سبق بعض القول فيه في مهرض الحديث عن دالية حميد بن ثور وبخيلته المشار إليها ههنا. وقولنا كاد يتزندق فيه لقوله «مخض الله ... مخض البخيلة» وما إلى الزندقة أراد حاش لله. ولكن مثل هذه الجسارة بداوة فكر. وأمثالها عند أبي تمام كثير.
وتأمل قوله:
تخذ الفرار أخا وأيقن أنه ... صري عزم من أبي سمال
وقوله:
فإذا ابن كافرة يسر بكفره ... وجدًا كوجد فرزدق بنوار
وإذا تذكره بكى فكأنه ... كعب زمان بكى أبا المغوار
ههنا حضارة وبداوة معًا -البداوة في قهر سامع هذا الشعر وقارئه ومتلقيه أن يصحب أبا تمام في فلواته الفكرية المعمورة بهؤلاء الجنان من الأخبار والأشعار وقد جعل الشاعر كل ذلك مادة لصوره الشعرية، والحضارة في هذا التوفر على الثقافة والتعمق فيها والعيش معها باتساع آفاق فكره العباسي البغدادي.
قد فطن الجاحظ بنقده النافذ إلى سبق أبي تمام واستشهد بشعره، ولكنه كان بروحه ونشأته وذوقه منتميًّا ب زمان أبي نواس. وكأنه قد ضن على أبي تمام أن يجعله السابق فجعل السبق في باب الغوص البديعي للعتابي ولعله أصاب إذ كان نقايا لا يشق غباره. إلا أن العتابي كان شعره لا ماء فيه، كله من الفكر.
ولا مزيد على ما قاله ابن المعتز بالنسبة إلى مكان البحتري. على أنه قد انفرد