والمراد بدخول الفاء هاهنا هو التوصل إلى المجازاة بالابتداء، والخبر لأنهم لما جازوا بالفعل الذي هو الأصل، والفعل يلزم فاعله، فلا ينفرد عنه، وهو مع فاعله جملة من فعلٍ وفاعل. والجملة من الابتداء والخبر نظيرة التي من الفعل والفاعل وأختها، فآثروا المجازاة بها كما جازوا بتلك، فلم يوقعوها موقعها مفاجأة، إذ كانت لا يتعين منها معنى استقبالٍ كما يتعين من الفعل؛ فلم يقولوا: إن يقم زيدٌ منطلقٌ، بل توصلوا إلى إيقاعها، أعني الجملة من الابتداء والخبر، موقع الجملة من الفعل والفاعل بأن أولوها حرفاً عاطفاً في الأصل يشارك الواو وغيرها من العواطف في العطف، وينفرد عنها بمعنى يخصه وهو التعقيب، وهو كون الثاني عقيب الأول أي بعده بلا مهلة، وذلك الحرف هو الفاء، فتجردت من العطف هنا، إذ كان الجزاء لا يصح عطفه على شرطه فأخلصت للمعنى المختص بها؛ وهو التعقيب، لأن الجزاء هذا حكمه مع الشرط، إذ كان يليه إذا وقع بلا مهلة ولا فسحة في الزمان ولا متنفس، فقالوا: إن تذهب فإني ذاهب، وإن أطعت فلك الثواب.
ولهذا التجريد للحرف وإفراده بالمعنى الخاص به في بعض المواضع، لئلا تنتقص الأوضاع ويفسد المعنى مع الاتساع، نظائر كثيرة في كلامهم تبسط في المبسوطات من كتب الصناعة لضيق المختصرات عنها.
ولهذا التوصل أيضاً نظائر واسعة كثيرة جداً، منها "الذي" وأخواته من الكلم الموصولة، عللت النحاة المجيء بها في الكلام أنها وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، إذ كانت الصفة وفق الموصوف في التعريف والتنكير، وقد آثروا وصف المعرفة بالجملة كما وصفوها بالمفرد