قال فكتبها، ثم قامت مولية فقالت: شغلتني عما إليه قصدت لتسكن ما بي من الأحزان.
حدّث الأصمعي قال:
سمعت رجلا من تميم يقول: أظللت إبلا فخرجت في طلبهنّ، فمررت بجارية
أعشى نورها بصري، فقالت ما حجتك؟ قلت: إبل لي أضللتها، فهل عندك شيء من علمها؟ قالت: أفلا أدلك على من عنده علمهن؟ قلت بلى! قالت الذي أعطاكهن هو الذي أخذهنّ، فاطلبهن من طريق التيقن لا من طريق الاختيار، ثم تبسمت وتنفست الصعداء، ثم بكت وأطالت البكاء، وأنشأت تقول:
إني وإن عرضت أشياء تضحكني ... لموجع القلب مطويّ على الحزن
إذا جاء الليل أحيا لي تذكُّرَه ... والصبح يبعث أشجانا على شجن
وكيف ترقد عين صار مؤنسها ... بين التراب وبين القبر والكفن
أبلى الثرى وتراب الأرض جدّته ... كأن صورته الحسناء لم تكن
أبكي عليه حنيناً حين أذكره ... حنين والهة حنت إلى وطن
ابكي على من حنت ظهري مصيبته ... وطير النوم عن عيني وأرقني
والله لا أنس حبي الدهر ما سجعت ... حمامة أو بكى طير على فَنن
فقلت عن ما رأيت جمالها، وحسن وجهها، وفصاحتها وشدة جزعها: هل لك من بعل لا تذم خلائقه وتؤمن بوائقه؟ فأطرقت مليا، ثم أنشأت تقول:
كنا كغصنين في أصل غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنات
فاجتث خيرهما من جنب صاحبه ... دهرٌ يكر بفرحات وترحات