والذين يقسمون هذه اليمين هم ذوو الرأي والجاه من الساسة الكفاة والقادة الحماة والأئمة الهداة، وقد يكون الرجل منصرفاً بقلبه عنهم ميالا بوده إلى سواهم، فما عسى أن تكون امرأته؟ أيفرق بينهما طواعية لإرادة الحكم القاهر وخضوعاً للبيعة المقهورة؟ وكيف تخضع تلك الشركة التي أحكم الله عقدتها وأوثق آصرتها لريح السياسة ونوازع الأهواء؟ وهل يقضي على امرأة آمنة في سربها
في بيتها أمينة لزوجها ساهرة على أبنائها أن تقضي عن كل ذلك في غير ذنب ولا جريرة؟! ذلك ما كان يراه خلفاء العراق وفقهاء العراق؛ ولكن صوتاً دَوّى من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتظم دويه الشرق والغرب بأن طلاق المكرَه باطل ويمينه لاغية ومصدر ذلك الصوت إمام المسلمين وحجة الإسلام مالك بن أنس، صدع به بين سطوة السيف وصولة السيف، ولم يخش في الحق إلاًّ ولا ذمة ولم يرع في الله لومة لائم ودعم هذا الرأي الصارخ بآراء أئمة المسلمين علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وابن الزير ومن إليهم من أشياخ الصحابة وأعلام الإسلام، ولقد راع الخليفة الجبار أبا جعفر المنصور موقف الإمام الأعظم مالك بن أنس فأمر بأن يضرب بالسياط عاري الجسد فشدّ يده وضرب على جسده وعليها بالسياط حتى خلعت كتفه فما نبا له عزم ولا وهن له رأي ولا حلت له عقدة ولا زاغت منه عقيدة، بل خرج من المِحنة أثبت جناناً وأمضى لسانا وأشدّ إيمانا وأقوى برهانا.
قيل إن عبد الملك بن مروان خطب إلى عقيل بن علفة المرّي إحدى بناته لأحد بنيه فقال عقيل، أقَبلُ يا أمير المؤمنين على أن تجنبني هُجَناء ولدك. فذلك