ولعل أوضح مظهر من مظاهر إساءة بني العباس إلى المرأة وتهوينهم من أمرها ودفعهم لها عن مواطن الحياة العامة ما كان من الخليفة المستنصر حين علم بولاية شجرة الدرّ أمرَ مصر، فإنه على الرغم من رضاء شعبها بها واطمئنانه لحكمها كتب إلى أمراء المماليك يقول لهم:
اعلموا إن كان ما بقي عندكم في مصر من الرجال من يصلح للسلطنة فنحن نرسل لكم من يصلح لها! أما سمعتم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة ثم ختم رسالته بإنكار شديد ووعيد وتهديد وتمثل بعد ذلك بقول من قال:
النسا ناقِصات عقل ودينٍ ... وما رأينا لهن رأياً سنيا
ولأجل الكمال لم يجعل الله تعالى من النساء نبيا
ومن كل ذلك نعلم أن بني العباس كانوا ينظرون إلى المرأة بمؤخر عيونهم حتى لا ينازعهم بنو عمهم زمام الملك باسمها ولا يساوموهم بسموّها، وأما تركهم الإماء يصرّفن قياد ويقلبن زمام الرعية، فما كان ذلك إكباراً للمرأة ولا تنويهاً بشأنها وإنما كان استضعافاً لنزوات النفوس وانغلاباً لحكم الهوى.
وكان على المرأة أن تستقبل الصدمة بعد الصدمة وتستعدّ للطمة بعد اللطمة في ظل هذا العهد، وكان أول ما ابتدعوه لها من العنت والمكروه يمين البيعة الذي يفرضون فيه على الرجال والسيف مصلت على عنقه أن يحلف بطلاق امرأته على أن يبقى على بيعتهم ولا يحيد عن دولتهم ولا يحول عن نصرتهم ولا يشايع أحداً سواهم