لم تطْوَ التاريخ على امرأة بلغ من الضَّنَّ بها، والإيثار لها، وبذل المهج رِخصاً في سبيلها، ما بلغ بالمرأة العربية في تلك الحقب المتطاولة المترامية.
نشأت المرأة المصرية في قوم غَلَبت عليهم دقت الحِسَّ، وسَورة النفس، وخوض مناهل الدم خوف انثلام الشرف، واستباحة الحمى، فكانت هي أدق أوتار الحس في قلوبهم، وأوضح مواطن الشرف في نفوسهم. ولولا المرأة ما كان بالرجل نزوع إلى حًمى، ولا رَعْى على وطن.
لقد كان العرب رُوَّادَ غارات، وطلاَّب ثارات، وكان الرجل منهم يغتمر الموقعة لا يدري أَوقع على الموت أم وقع الموت عليه؛ غير أن ابنته وما عسى أن يصيبها بعده من حاجة وهوَ إن كان يتغلغل في نفسه فيهيج بها حبّ الحياة. فمثله في ذلك مثل إسحاق بن خلف حيث يقول: -
لولا أُمَيْة لم أجزع من العدم ... ولم أَُجب في الليالي حِنْدِس الظُّلَم
وزادني رغبة في العيش معرفتي ... ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحِم
تهوى بقائي وأهوى موتها شَفَقاً ... والموت أكرم نزال على الحرَم
أحاذرُ يوماً أن يُلم بها ... فيكشف الستْرَ عن لحم على وَضَم
إذا تذكرت بنتي حين تندبني ... فاضت لرحمة بنتي عَبرتي بدم