المراه (صفحة 22)

ورؤساء الحكومة التركية يدركونها حق الإدراك. والسياسة هي التي جعلت الآخرين يبقون على هذه المبادىء الغالطة أو يتركونها تستمر ويحترمون الأماكن التي تقدسها القبائل. وهذه المعالجة هي التي مكنتهم من الحصول على ما حطمه الجيش الفرنسي منذ أن وصل إلى أراضي الجزائر ذلك انه بدلا من أن يطبق نفس هذه المبادىء، أراد استبدالها بمادىء جديدة لتعارض تماما مع عادات وتقاليد السكان.

ولكي نعود إلى المرابط ابن عيسى ونعرف ما له من نفوذ على نفوس الجزائريين يكفي أن نقول بأنه هو نفس الشخص الذي قدم على أثر الغزو الفرنسي وساطته لإبرام السلم بين الفرنسيين والقبائل ويمتد سلطان هذا الرجل إلى مملكة تونس وله في كل قبيلة ومدينة وقرية على أرض الإيالة ممثل في المساجد يتقبل الهدايا الموجهة إليه ويجمع عشر الغلال ثم توزع هذه المحصولات على الطبقة المعوزة وتستعمل في الإعتناء بالمحلات المخصصة للضيافة.

وأينما وجد ممثل جامع توجد دار مفتوحة للضيافة يطعم فيها المسافرون ويبيتون بلا مقابل وكذلك الحيوانات التي يستعملونها والتي ترافقهم. وفي نهاية كل سنة يرسل إلى المرابط الرئيسي كل ما لم ينفق في هذه المؤسسة. ولقد اجتمعت شخصيا بهذا المرابط ووجدت فيه رجلا بسيطا، ليس له غرور، وإنما ذو بصيرة، تحدوه العواطف الإنسانية بلا تحيز، لا يملك ثروة طائلة، ذلك إنه، بعد أن يوزع الصدقات، لا يبقى له أكثر مما يقتات به. أمام بابه يوجد عدد كبير من الأجفان لإطعام ضيوفه، وكذلك أكياس من الشعير والتبن للحيوانات التي ترافقهم. وهو يستضيف كل شخص يقصد بيته. وقد أراد في ذلك الحين أن يكلفني ببيع جنان كان يملكه في مدينة الجزائر ولكنني جعلته يعدل عن هذه الفكرة حتى يتمكن بما له من نفوذ من أن يخدم المصالح الفرنسية، وربما من أن يدفع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015