يسكنها قوم من ذوي المتربة، ويمر بها نهر يزيد، وداخلها مدرسة لطيفة، ويها ما يقرب من تسعين خلوة، وقد كان بها خزانة كتب لا نظير لها، فلعبت بها أيدي المختلسين .... وكذلك لعبت أيدي المختلسين في أوقافها فابتلعوها، هذه حالتها اليوم" (?).
وهذه سنة الله في خلقه، فإن دوام الأحوال من المحال، ولا يكمل شيء في هذه الدنيا الفانية، إلا وفي كماله إيذان ببداية النقص، وكما يقول أبو البَقَاء الرَّنْدي في رثاء الأندلس بعد سقوطها في أيدي الصليبيين (?):
لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ ... فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتُها دولٌ ... من سرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن القيام بالتدريس والتأليف والفتوى في هذا المذهب قد تسلسل في الأسر الحنبلية؛ كبني مفلح الرامينيين، وآل الحجاوي، وآل المرداوي وغيرهم، إلى عهود متأخرة.
كما أننا نجد تألقًا لعدد من كبار الحنابلة عرفتهم الشام خلال الأربعة قرون المتأخرة من أمثال:
الجمال يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الصالحي (841 هـ - 909 هـ) الشهير "بابن المِبْرَد"؛ الذي كان جبلًا في العلم، وفردًا من أفراد العالم، عديم النظير في التحرير والتقوير (?). والذي اشتهر كعصريَّه سميِّه الجلال السيوطي (911 هـ) بكثرة التصنيف والتأليف، فقد فاقت مؤلفاته الخمس مئة ما بين رسالة صغيرة وكتاب كبير، في فنون كثيرة: الحديث، والفقه، والأصول، والتراجم، وغير ذلك (?).
ومن أشهر مؤلفاته في الفقه الحنبلي:
- مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة الأحكام.
- الدر النقي في حلّ ألفاظ الخرقي.