حالة المذهب الحنبلي بعد المقادسة

لقد تألق نجم النشاط العلمي والعملي الذي عرفته الشام على أيدي المقادسة نحو أربعة قرون متتالية، ثم إن المذهب الحنبلي أخذ في التناقص والتراجع في تلك البلاد، وبدأ مساره في الإنحدار في مطلع القرن العاشر، واستمر يتناقص إلى يومنا هذا، حيث لم يبق من البيوتات الحنبلية التي تعنى بهذا المذهب الجليل في دمشق وضواحيها -فيما نعلم- إلا بيت الشيخ أحمد الشامي الدوماني المتوفى سنة 1413 هـ.

وقد وصف الشيخ عبد القادر ابن بدران تلك الحالة التي آل إليها المذهب الحنبلي في الشام في زمانه بعبارة رقيقة تثير الأشجان، وتقشعر منها الأبدان، فقال: "تعلم أيها الفاضل الألمعي أن الخوض في هذا البحر (?) الزاخر صعب المسلك، بعيدُ المرمى، خصوصًا في هذا الزمان المعاند للعلم وأهله، حتى رماهم في سوق الكساد، ونادى عليهم بالحرمان، فأنى لمثلي أن يجول في هذا الميدان، ويناضل أولئك الفرسان؟ مع أنه تمضي علي الشهور، بل الأعوام، ولا أرى أحدًا يسألني عن مسألة في مذهب الإمام أحمد، لإنقراض أهله في بلادنا، وتقلص ظله منها، فلذلك أصبح اشتغالي بغير الفقه من العلوم، وإن اشتغلت به، فاشتغالي إما على طريقة الإستنباط، وإما بمراجعة كتب الأئمة على اختلاف مذاهبهم" (?).

ويصف لنا حالة المدرسة الشيخية العمرية الشهيرة، وماآلت إليه من الخراب، بعد أن كانت عامرة بنفائس المخطوطات ونوادر الكتب، فضلًا عن المشهورات، فيقول في كتابه "منادمة الأطلال":

"هي موجودة بالصالحية مشهورة معمورة بالجدران، لا ظل فيها للعلم ولا أثر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015