وتطلَّع الفقراء بعد ذلك إلى ما هو أبعد, وهو حقهم في المشاركة في الحكم, فانفتح للعمل والفقراء نفقًَا ضيقًا؛ فألغي اشتراط الثراء لدخول الانتخابات, ثم خرجوا من ذلك النفق منتصرين في النهاية ليجدوا طلبهم, مشاركة أيّ شخص في الانتخابات من عامَّة الشعب حقًّا مكفولًا إذا بلغ السن القانونية, وأن من حق الشعوب أن تصل إليه بواسطة البرلمانات والانتخابات المباشرة -ولكن يجب أن تعرف كيف يتمّ هذا الحق- ثمّ استطاعت الشعوب في أوربا أن تصل أيضًا إلى اعتراف الحكومات بحقّ حرية التعبير عن الرأي تأييدًا أو معارضة عن طريق وسائل الإعلام وغيرها, ولا تسأل بعد ذلك عمَّا انتجه تحقيق هذا المبدأ من شتات المفاهيم, ثم تحقَّق لهم كذلك حقّ المعارضة والاحتجاج بأية وسيلة بالإضراب عن العمل أو بالمظاهرات, وهذه المظاهرات إمَّا أن تتمَّ بالإذن المسبَّق لها, أو تتمَّ بدون إذن, وبالتالي تتصرَّف الحكومة حسبما تراه لقمع تلك المظاهرات وتفريق المتظاهرين أو تركهم بما لا يصل إلى تجريد السلاح والتنكيل، كما ضمن لهم القانون -بفعل جهادهم ويقظتهم- حرية الاجتماعات الجماعية في مقارِّ أحزابهم, أو في غيرها بعد أخذ الإذن من الحكومة إذا كانت الاجتماعات في غير مقارّ الأحزاب.

ومعنى هذا أن الأوضاع قد تغيَّرت في أوربا بعد أن أفاقت الشعوب على الظلم الواقع والفقر المدقع الجاثم عليها, واستطاعت بعده أن تحصل على ما تريد رويدًا رويدًا, وتغيَّرت الأحوال تمامًا فلم يعد بوسع الوجهاء والأثرياء أن يكبتوا تلك الطبقات التي كانت لا قيمة لها ولا وزن, بل ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015