رابعًا: الهجاء

"وفي متاهات الحياة" نجد قصيدة واحدة من هذا الغرض الأدبي بعنوان: "الغر"، وسار فيها الشاعر على نمط جديد أيضًا، لا يتبع فيه منهج الشعر القديم في الهجاء من السباب والقبح، والفحش في القول، والوصف البذيء، وغير ذلك مما هو معروف في هجاء الهجائين القدامى.

لكن العسيري يرى فيمن هجاه أنه غر جاهل، وأن نور العلم سيقذف به في التيه والأوهام، وحينما يصطدم بالحق يتمادى في السخط، وتعتصر مقلتاه بالشر، فهو يقطع عمره لا في بناء الحياة وتقدمها، ولا يتم ذلك إلا بوحدة الجماعة واعتصامها، لكنه يفني جسده لهدمها، فيزرع البؤس والذل ليحصد شقاءه وآلامه.

وينبغي أن يعلم الجميع أن مثل هذا الغر الجاهل والأحمق سيتحطم في زوايا الحقد، ويتمطى في ثياب السخط، وتنزف عيناه بالشر واللهب، فهو عليل الفكر، ينهش عرض الجار، ويظلم العقلاء المخلصين بزهوه وخيلائه يقول في مطلعها:

هزيم اللذة الغاوي موات ... يصيب الناس إن أبقوا عليه

وينخر في تلافيف الحيارى ... ويحلم أن قيدي في يديه

وقيدي عزة تصبو إلينا ... سمت فينا وما كانت لديه

وفكري سوف يحميني بنور ... يذيب الغر في حلم وتيه

وقيد الحق أوهى كل قيد ... رءوف المس إن سقنا إليه

وما في الباطل المجنون عز ... وعز الحق أن تدني بنيه

هزيم اللذة الغاوي رآني ... أقول الحق فيما ينتويه

تمادى في ثياب السخط حتى ... رأيت الشر في مقلتيه

وأملي فكره المغرور غيًّا ... تعالى في كراماتي بفيه

أأجني جذوة من كل قول ... ترم الجسم يا ويل النبيه

يهد العمر يبني حياة ... تشل البؤس أو تقضي عليه

ويحفر في قلوب الناس نبعًا ... رحيق العدل يسقي شاطئيه

فيقبر في تراب الذل أجرًا ... ويسعى رغبة الغر السفيه

أجيل الطرف في ركب الحيارى ... يمر الدرب لا يدري بتيهي

سوى الإنسان والإنسان وصف ... تواري في متاهات النزيه

ويرفع صوته الحيران يشكو ... فتسمع قصتي من أصغريه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015